الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

بعد أن ذكر الله الجواب الإِجمالي للملائكة وهو قوله: { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } عطف عليه هذا الجواب التفصيلي، ولم يكن جوابا قوليا فحسب بل يتضمن القول والفعل معا لأن من شأن المخلوق أن يكون ما يشاهده ويحسه أعمق أثرا في نفسه مما يسمعه، بل المشاهدات تنزل منزلة الأدلة والحجج للمسموعات، وهذا العطف من باب عطف المحكي التفصلي على الحكاية الإِجمالية، وفي هذه الإِجابة التفصيلية شاهد على أن حياة النوع الإِنساني المستخلف في الأرض تدور على العلم، فعليه تتوقف حركتها ونموها وتجددها، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى طبع هذه الحياة الإِنسانية بطابع التطور، والتطور هو قائم على كسب الإِنسان نفسه وتصرفه، وقد جعل الله سبحانه في طبيعة تكوين الإِنسان وطبيعة الموجودات التي تيعامل معها في الأرض ما يدفعه إلى هذا التطور، فلذلك كان بحاجة إلى معارف استنباطية يستفيدها من تجاربه، ويستلهمها من مشاهداته، وذلك بخلاف الحياة الملكية فإنها في غنى عن ذلك كله؛ ومن ناحية أخرى فإن الإِنسان واقع بين تجاذب وتدافع مستمرين من قبل قوىً وطبائع شتى في نفسه، فهو متكون من روح وجسم، ومنطوٍ على عقل وقلب وغرائز وضمير، ولهذه كلها مطالب شتى، والتنسيق بين متطلباتها يدعو إلى العلم والمعرفة حتى لا يؤدي الأمر إلى ضرر نفسي أو اجتماعي؛ ومن ناحية ثالثة فإن الانتفاع بهذه الموجودات اليت يتعامل معها الجنس البشري مشترك بين أفراد هذا الجنس، فلذلك كانوا بحاجة ماسة إلى معرفة أجناسها وأسمائها التي تتميز بها كما أنهم بحاجة إلى معرفة خواصها حتى يكون التعامل معها سليما.

قيمة العلم في موازين الاسلام

وفي هذه القصة تنويه بشأن العلم والعلماء، وبيان لقيمته في موازين الإِسلام، فإن الله إنما شرف الإِنسان قبوأه منصب الخلافة في الأرض بما آتاه من العلم، وقد رفع قدره به على أقدار ملائكته المعصومين من الزلل الدائبين على الطاعة، الذين وصفهم بقوله:لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6].

وبقوله:يُسَبِّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 20] وذلك حيث أمره بتعليمهم الأسماء، ثم أمرهم بالسجود له اعترافا بفضل العلم وتكريما لأهله، والإِسلام بهذا يختلف عن اليهودية والنصرانية اللتين تجعلان من العلم عدوا مبينا للإِنسان؛ فاليهودية ترى أن العلم هو سبب إبعاد الإِنسان من رحمة الله وطرده من جنته واستحقاقه اللعنة والغضب، والنصرانية ترى أن الهداية لا تكون إلا مع الجهل وذلك بأن يغلف الإِنسان عقله، ويغمض عينيه، ويسد أذنيه لئلا تتصور له الحقيقة فتضله عن الدين، وذلك بأن يتلقى كل ما يُلقى إليه من تعاليم الدين تلقي الأعمى والأصم الذي لا يبصر شيئا ولا يسمع شيئا، غير ذلك الذي يُلقى إليه، وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات الدالة على أن هذا الدين لا يقوم إلا على أساس العلم والفهم، منها قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9