الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

الآيتان مرتبطتان بما قبلهما ارتباطا وثيقا، وإنما جاء الكلام فيهما على أسلوب الإِلتفات من الغيبة إلى الخطاب، لما في مواجهة الذين كفروا - بعد تعداد مثالبهم وتقرير كفرهم - بالتوبيخ والتقريع على ما صدر منهم من الكفر مع توفر دواعي الايمان من أثر على نفوسهم، فإن للخطاب تأثيرا في نفس المخاطب أعمق وأبلغ من تأثير حديث الغيبة على الغائب، فلعل هذه النفوس المخاطبة تنزجر عن قبائحها وترتفع عن غيها، هذا بجانب الحكمة العامة في الإِلتفات وهي تجديد النشاط بتطرية الكلام، ونقله من أسلوب إلى آخر.

وذهب ابن عاشور إلى أن الخطاب هنا للناس الذين خوطبوا من قبل بقوله: { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } ، وعد الجمل من قوله: { وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ.. } إلى قوله: {.. الخاسرون } معترضات بين هذا الخطاب، وأنكر أن يكون تناسب بين قوله هنا: { كيف تكفرون } وقوله من قبل: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى.. } إلى آخره، وبنى عليه إنكار تخريج هذا الخطاب على أسلوب الإِلتفات وإنما رأى الرابط بين الخطابين مناسبة اتحاد الغرض بعد استيفاء ما تخلل واعترض، وذكر من بديع المناسبة وفائق التفنن في ضروب الانتقالات في المخاطبات اتحاد العلل التي قرن الله بها الأمر بعبادته في قوله: { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ.. } إلى آخره، وقرن بها إنكار ضد العبادة وهو الكفر في قوله هنا: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } حيث قال هناك: { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً.. } (الآية)، وقال هنا: { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ.. } (الآية). وبالغ في إنكار أن يكون اليهود هم المخاطبين هنا نظرا إلى أنهم لم يكفروا بالله ولم ينكروا الإِحياء الثاني، ولذلك رأى تعين أن يكون الخطاب للناس وهم قريش.

ولم يتضح لي وجه قوله، فإن عود الخطاب في قوله: { كيف تكفرون } إلى الناس المخاطبين في قوله: { يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } بعد العديد من الآيات التي خرجت عن الموضوع لا يتلاءم مع ما عُهد من انسجام عبارات القرآن، وترتب كلماته وتناسب آياته، وما الداعي للمصير إليه مع إمكان خلافه، فإن التقريع موجه إلى الكفار في الآية بعد ما ذكر عنهم من إنكار ضرب المثل، والتسجيل عليهم بالفسوق، ووصفهم بنقض عهد الله من بعد ميثاقه، وقطع الصلات التي أمر بها، والإِفساد في الأرض، وكل من ذلك ناشئ عن كفرهم بالله واليوم الآخر، فكيف يستغرب إذا وبخوا بعد تعداد هذه المثالب على الكفر، أوَليسوا هم المكذبين بما أنزل الله، والمناوئين لمن أرسل، والناكثين لعهده؟ وقد سجل عليهم بالكفر بصريح العبارة في قوله {.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد