الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ }

ذا من أسماء الإِشارة، يشار بها إلى القريب والبعيد، فإن كان المشار إليه قريبا جردت أو اقترنت بها المفيدة للتنبيه، وإن كان بعيدا اقترنت بالكاف الدالة على الخطاب، وتأتي تارة مع اللام في قولك (ذلك)، وأخرى بدونها في قولك (ذاك).

عِظَم قدر القرآن ودلالاته:

والمشار إليه هنا الكتاب المرموز إليه بـ { ألم } لأن هذه الكلمات - كما تقدم - تدل على بعض الحروف التي تركب منها، ومجيء الإِشارة بالصيغة الدالة على البعد مع قرب المشار إليه محمولة على التنويه به، وبعظم قدره وعلو شأنه، كما قال تعالى عن نفسه: { ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } ، ومثله وارد في فصيح الكلام العربي كقول خفاف بن ندبة السلمي:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها   فعمدا على عين تيممت مالكا
أقول له والرمح يأطر متنه   تأمل خفافا إنني أنا ذلكا
فإنه عدل عن قوله أنا هذا لما ذكرناه من النكتة وهي بيان رفعة شأنه وعلو قدره، ومن هنا قال ابن عباس وابن جريج ومجاهد وعكرمة والسدي - فيما رواه عنهم ابن جرير -: المراد بذلك الكتاب؛ هذا الكتاب. وروي مثله عن أبي عبيدة، وقال جماعة: لا داعي إلى هذا التأويل الذي يخرج بكلمة ذلك عن أصل مدلولها. واختلف هؤلاء في المشار إليه على أقوال:

أولها: أنه الكتاب الذي كتبه الله على خلقه، فيه ذكر سعادتهم وشقاوتهم وآجالهم وأرزاقهم، والمراد بكونه لا ريب فيه، لا مبدل له.

ثانيها: أنه الكتاب الذي كتبه الله على نفسه في الأزل، أن رحمته سبقت غضبه، كما جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم، وهذان القولان من الضعف بمكان، وإخباره تعالى عن الكتاب بأنه هدى للمتقين كاف في إبطالهما.

ثالثها: أنه الكتاب الذي وعد الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو المعني في حديث عياض بن حمار المجاشعي عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان.. إلى آخره ".

رابعها: أن المشار إليه ما نزل من القرآن بمكة؛ لأن البقرة أول القرآن نزولا بعد الهجرة.

خامسها: أنه القول الموعود به في قوله عز وجل:إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [المزمل: 5] وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يستشرف لانزال هذا الوعد من ربه، فلما نزلت فاتحة البقرة بالمدينة كان المراد بذلك الكتاب ما وعد الله به رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة أن يوحيه إليه، وهذا القول والقول الثالث ينبعان من نبع واحد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد