الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ }

كلمات تسرد سردا غير مركبة تركيب الجمل، افتتحت بها هذه السورة، وشقيقتها ثانية الزهراوين من السور المدنية، كما افتتحت بها وبنظائرها من قبل سبع وعشرون سورة مكية، وهي كلمات ذات غرابة طبعا، إذ لم يكن مألوفا أن تسرد هذا السرد في غير التهجي، ومع ذلك لم تكن العرب على معرفة بالقراءة والكتابة إلا قليلا منهم فلا غرو إذا لم يكن جمهورهم بحاجة إلى معرفة هذه المصطلحات في تسمية الحروف التي تتكون منها كلماتهم، لأن السليقة كانت هي الينبوع لبيانهم.

مقاصد هذه الكلمات المقطعة:

وبدهي أن تختلف الآراء وتتعدد الأقوال في تحديد مقاصد هذه الكلمات، واستظهار معانيها.

ومهما يكن فإن هذه الفواتح وأمثالها هي أسماء ومسمياتها الحروف الهجائية التي تتركب منها المفردات، وهذا واضح لانطباق حد الاسم عليها، ولأنها تعتورها علاماته كالتعريف والاسناد، والجمع والاضافة والجر، ووصفها بالحرفية لا يعدو أن يكون مجازا، لأن مدلولاتها - وهي أحرف الهجاء - حروف.

وإيضاح ذلك أن الباء - مثلا - اسم، ومسماه أول حرف من بان وباع، وأوسط حرف من جبن وقبع، وآخر حرف من ضرب وجرّب.

فإذا أردت النطق بالمسمى وحده وهو الحرف، قلت (بَه) بإدخال هاء السكت، وقس على ذلك سائرها، ولا يرد على ذلك ما أخرجه البخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححاه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول { ألم } حرف، بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف " وفي رواية عند الترمذي والدارمي: " لا أقول { ألم } حرف وذلك الكتاب حرف، ولكن الألف حرف، واللام حرف، والميم حرف، والذال حرف، والكاف حرف " لأن الاصطلاح على تقسيم أنواع الكلام إلى اسم وفعل وحرف إصطلاح طارىء لا يحمل عليه الكلام النبوي الشريف، وقد كانوا قبل حدوث هذا الاصطلاح يطلقون الحرف على الحروف البسيطة، التي يتركب منها الكلام، وهي مسميات هذه الكلمات كما قلنا، وربما أطلقوه تجوزا على نفس الكلمات، والرسول صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: " لا أقول الم حرف.. " الخ، دفع ظن التجوز، والظاهر ما حرره بعض المفسرين أن المراد من الحديث بيان أن الحسنات على تلاوة القرآن تكون بحسب حروفه المكتوبة إذ لو كانت بحسب النطق لعدت (ألف) ثلاثة أحرف، ويؤيده ما في رواية الترمذي والدارمي من زيادة: " والذال حرف والكاف حرف " فإن الذال بمدها تتولد من فتحتها ألف، فلو اعتبر التلفظ لكان الجدير باعتبارها مع مَدتها حرفين، ويومئ إلى ذلك التعبير بكتاب الله المفهم للكتابة دون كلام الله أو القرآن.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد