الرئيسية - التفاسير


* تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق


{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }

سبق تفسيرهما وبقى النظر في إعادتهما وللمفسرين في ذلك آراء منهم من يرى هذه الإعادة دليلا على أن البسملة ليست من الفاتحة إذ لو كانت من الفاتحة لما كان معنى لتكرار ما جاء فيها من غير داع إلى ذلك، ومن هؤلاء ابن جرير الطبري فقد جعل من هذه الإعادة دليلا على خطأ القائلين بأن البسملة من الفاتحة ثم التفت إلى ما جاء في القرآن مما ظاهره التكرار نحو قوله تعالى:فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } في سورة الرحمن وقوله:وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } في سورة المرسلات وأجاب بأن ذلك إنما يكون مع الفاصل وما قبل { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } في سورة الفاتحة لا يكفي لأن يعد فاصلا وبنى ذلك في رأيه على ما حكاه عن جماعة من أهل التأويل بأن في التركيب تقديما وتأخيراً والأصل { الحمد لله الرحمن الرحيم رب العالمين مالك يوم الدين } وبين سبب هذه الدعوى أن الأصل في التركيب أن يكون كل شيء مع مناسبه وفي الآيات وصف الله سبحانه بالربوبية والرحمة والملك، والربوبية أليق أن تكون بجانب الملك والرحمة بجانب الالوهية المستفادة من اسم الجلالة، وذكر أن التقديم والتأخير مما لا يستنكر في الوضع العربي والشواهد عليهما قائمة في القرآن نفسه ومن سائر الكلام العربي، وذكر من القرآن شاهدا على ذلك قول الله تعالى:ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً.. } [الكهف: 1- 2] فإن في التركيب - حسبما يقول - تقديما وتأخيرا والأصل { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا } واستشهد لذلك من كلام العرب بقول جرير:
طاف الخيال وأين منك لماما   فارجع لزورك بالسلام سلاما
فالأصل: طاف الخيال لماماً منك هو.. وهذا الذي اعتمده ابن جرير ونسبه إلى جماعة من أهل التأويل نسبه أبو حيان في البحر المحيط إلى مكي وقال: لولا جلالة قائله لنزهت كتابي عن ذكره ثم ذكر أبو حيان علوَّ بلاغة القرآن وجمال أسلوبه في تركيب كلماته ورصف جمله فلا وجه للدعوى بأنه قدم فيه ما حقه التأخير أو أخر ما حقه التقديم وأضاف إلى ذلك بأن الله سبحانه وصف نفسه في الفاتحة بالربوبية والرحمة، وذكر فيها حمده وعبادته، ووصف الربوبية يقتضي استحقاق الحمد، ووصف الرحمة يقتضى استحقاق العبادة، وقد وُضع كل واحد من الوصفين بجوار ما يلائمه.

هذا وضعف كلام ابن جرير أظهر من أن يحتاج إلى الكشف، فان عبارات القرآن الكريم لا يصح أن تُحمل على خلاف الأصل إلاّ لأمر يقتضي الخروج عنه ولا داعي هنا للتقديم والتأخير، ولا يصح أن يُحمل التركيب القرآني الذي هو أبلغ تركيب في الكلام على ما قد يضطر الشعراءَ إليه في شعرهم محافظتُهم على الوزن والقافية، فإن للشعر أحكاما لا تكون حتى للكلام المنثور، وقد يفضى الإِضطرار بالشعراء إلى الإِتيان بتركيب ممجوج تأباه الفصاحة، نحو قول الفرزدق:

السابقالتالي
2 3 4