الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

{ ومنْهُم من عَاهَد اللهَ } أعطى له عهدا وهو بمنزلة حلف لله فقوله { لنصدقن } جوابه وجواب إن محذوف، وهذه اللام للتأكيد والأولى تمهيد للجواب، أو يقدر قسم مفسرا لهذا العهد واللام الأولى مؤذنة. { لئن آتانا مِنْ فَضْله لنصَّدقَنَّ } نخرج الصدقة الواجبة والنافلة، ونصل الرحم، ونعمل فيه بالبر، وقيل أراد الصدقة الواجبة فقط { ولنَكوننَّ } وقرىء بإسكان النونين فى الموضعين، وقرأ الأعمش بإسكانها فى الثانى فقط { مِنَ الصَّالحِينَ } فى سائر الأعمال، وقيل فى حق المال فرضا ونفلا، وعن ابن عباس أراد بالصلاح الحج، ولعله أراد التمثيل لسائر أعمال الطاعة، قالت فرقة كان ذلك العهد شيئا نووه فى قلوبهم، لم يتكلموا به أو المشهور خلافه. عن ابن عباس نزلت فى ثعلبة بن حاطب الأنصارى، أتى مجلسا للأنصار فقال لئن أتانا من فضله أخرجت الحقوق، وتصدقت، ووصلت، فورث ابن عمه ولم يف بما وعد، وقال الحسن، ومجاهد فيه وفى معتب بن قشير، وهما من بنى عمرو بن عوف، نذرا لئن رزقنا لنصدق فرزقها وبخلا، وقيل فى حاطب بن أبى بلتعة أبطأ ماله بالشام، فحلف لئن تفضل الله به إليه ليصدقن، ولما آتاه بخل. " والمشهور أنها فى ثعلبة، وأنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ادع الله أن يوتينى مالا، فقال صلى الله عليه وسلم " يا ثعلبة قليلا تؤدى شكره خيره من كثير لا تطيقه " ثم أتاه بعد ذلك فعاوده ذلك فقال صلى الله عليه وسلم " ويحك أما لك فى رسول الله أسوة حسنة، والذى نفسى بيده لو أردت أن تسير معى الجبال ذهبا وفضة لسارت " ثم أتاه فعاود وحلف بالذى بعثه بالحق لئن رزقنى لأعطين كل ذى حق حقه، فقال " اللهم ارزق ثعلبة مالا " فنمت كما ينمى الدود، فضاقت المدينة بها، فنزل واديا من أوديتها، وكان ما يصلى مع رسول الله إلا الظهر والعصر، ثم ضاق الوادى فتباعد حتى لا يشهد إلا الجمعة، ثم تباعد لفرط نموّها حتى لا يشهدها، وكان يخرج يوم الجمعة يتلقى الأخبار. وذكره يوما صلى الله عليه وسلم قال " ما فعل ثعلبة؟ " فقيل له إن له غنما لا يسعها واد، فقال صلى الله عليه وسلم " يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة " فنزلت آية الصدقة، فبعث رجلا من سليم ورجلان من جهينة، وكتب لهما أسنان الصدقة، وكيف يأخذان، وأمرهما أن يمرا على ثعلبة ورجل من بنى سليم، فيأخذا صدقاتهما، فسألا ثعلبة الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انطلقا حتى تفرغا، ثم عودا إلىَّ وسمع بهم السليمى فاستقبلهما بخيار إبله، فقالا أما هذا عليك فقال طابت بذلك نفسى، ولما فرغا عادا إلى ثعلبة فقال أرونى كتابكما فقرأه فقال ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، ارجعا حتى أرى رأيى، ولما رآهما صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يتكلما " يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة " ثم دعا للسليمى بخير، فأخبراه بما قال ثعلبة فنزلت الآية فيه، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم قريب له، فخرج إليه وقال له لقد أنزل الله فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة بصدقته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له " منعنى الله أن أقبلها منك " فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال له " هذا عملك قد أمرتك فلم تطعنى " فرجع فجاء فى خلافة أبى بكر فلم يقبلها، ثم فى خلافة عمر فلم يقبلها، ثم فى خلافة عثمان فلم يقبلها، وفيها مات لم يقبلها الله مجازة على خلف الوعد، وإهانة على قوله ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية ".

السابقالتالي
2