الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

{ كالَّذينَ مِن قَبْلكُم } خبر لمحذوف أى أنتم مثل الذين، أو ثابتون كالذين، أو مفعول لمحذوف أى فعلهم مثل ما فعل الذين، أو نعت لمفعول محذوف، أى فعلا ثابتا كفعل الذين، أو متعلق بوعد أو مفعول مطلق له، أى وعدا ثابتا كوعد الذين، أو وعدا مثل وعد الذين، وفى الثلاثة ضعف والخطاب للمنافقين على طريق الالتفات، أو على تقدير القول، أى قل لهم أنتم كالذين من قبلكم، وقيل الخطاب لهم وللمشركين. { كانُوا أشدَّ منكُم قوةً وأكْثَر أموالاً وأولاداً } قيل بيان للتشبيه، والواضح أن التشبيه فى الأمر بالمنكر وما بعده، وعلى الأول فالمراد التشبيه فى جمع الدنيا، والإعراض عن الآخرة، فكان هذا بيانا له، وعلى الثانى فالمراد بيان أن من قبلهم كانوا بهذه الصفة مدة ولم تدفع عنهم موتا، بل ماتوا إلى عذاب مقيم فكذلك أنتم. { فاسْتَمتَعُوا } انتفعوا { بخَلاقِهِم } نصيبهم من ملاذ الدنيا، معرضين عن الآخرة، وهو من الخلق بمعنى التقدير، فهو ما قدر لصاحبه، وقيل أصله من قولك فلان خليق بكذا { فاسْتَمتعتُم بخَلاقِكُم كما اسْتَمتعَ الَّذينَ مِنْ قَبْلكُم بخَلاقِهِم } أى اتبعتم آثارهم فى الاستماع، وقد علمتم ما صاروا إليه من العاقبة، فستصيرون إلى مثل ما صاروا إليه، وفائدة قوله { كما استمتع الذين من قبلكم } مع غنى قوله { فاستمتعوا بخلاقهم } عنه ربط فعلهم بفعل من مضى قبله بالتشبيه، ليترتب عليه ما ترتب على فعل هؤلاء الماضين، هذا ما ظهر لى بفضل الله، وقيل فائدة التمهيد لذنب المخاطبين بمشابهة هؤلاء كقولك أنت مثل فرعون، كان يقتل بغير حق، ويعذب بغير جرم، فأنت تفعل مثل ما فعل، قيل فالتكرير للتأكيد وتقبيح فعلهم وفعل من شابههم. { وخُضْتم كالَّذى خاضُوا } الذى اسم موصول واقع على الخوض، والرابط ضمير محذوف يعرب مفعولان مطلقا أى كالخوض الذى خاضوه، أى خوضا ثابتا كالخوض الذى خاضوه، أو خوضا مثل الخوض الذى خاضوه، أو الذى واقع على الفريق ونحوه، أى كالفريق الذى خاضوا، روعى لفظ المنعوت فى الذى، ومعناه فى الصلة، أو المراد بالذى الجنس لا ما قيل إن الأصل الذين فحذفت النون على لغة، ولا كما قال الأخفش إن الذى موصول مشترك، ولا كما قيل إن الذى موصول حرفى هنا، أى وخضتم كخوضهم. { أولئكَ حَبِطَت أعْمالُهم فى الدُّنيا والآخِرة } بطلت ولم يكن لها ثواب، والإشارة إلى الماضين الموصوفين بالشدة، فأنتم كذلك تحبط أعمالكم، أو إليهم وإلى المنافقين والمشركين المعاصرين لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل الخطاب فى استمتعتم وخضتم لمشركى قريش دون المنافقين، والإشارة لكل مشرك ومنافق، ومعنى حبطت أعمالهم أن أعمالهم باطلة ليست مما يعتد به، ويثاب عليه، لأنها معاص، أو إنَّ ما عملوه من أعمال حسنة لا تنفعهم فى الدنيا بأن لا تقيهم من قتل وسبى، ولا فى الآخر، وهذا الوجه الثانى، على أن الإشارة للمشركين انتهى. إن المنافقين أيضا لا ينتفعون بأعمالهم فى الدنيا لما يصيبهم من المقت والغمص عليهم { وأولئكَ هُم الخاسِرُونَ } دنيا وأخرى.