الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

{ قلْ } لهؤلاء الذين لم يهاجروا على ما مر عن ابن عباس، ومجاهد وهذه الآية تؤيد قوليهما لظهورها فيهما، ولا يقال هى غير ظاهرة فى قول مجاهد من حيث إن مانع العباس وصاحب المفتاح من الهجرة السقاية والعمارة، لأنا نقول مانعهما حب القرابة والمال والمساكين ونحوها، ولو تعلقا بالساقية والعمارة، والآيتان نزلتا قبل فتح مكة عندهما، كما وجدته نصا بعد ما ترجيته ترجيا فى الأولى، وإذا قلنا بعد الفتح فذلك زجر عن القعود عن الجهاد، وعن القعود عن السفر لتعلم الشريعة، حبا للقرابة والموطن والمال. { إنْ كانَ آبَاؤكُم وأبْناؤكُم وإخْوانُكُم وأزْواجكُم وعَشِيرتُكم } أقرباؤكم، وقيل الأدنون من أهلكم الذين تعاشرونهم، هو قيل مأخوذة من العشرة، فإنها جماعة إلى عقد العشرة، وقيل من العشرة بمعنى المعاشرة، وقرأ أبو بكر، عن عاصم، وأبو رجاء، وأبو عبد الرحمن، وعصمت وعشيراتكم جمعا بالألف والتاء، وهو قليل قال الأخفش إنما تقول العرب عشائر ولا تكاد تقول عشيرات، وقرأ الحسن وعشائركم، ووجه الجمع أن المخاطبين ليسوا من عشيرة واحدة، وإنما أفرد الجمهور إرادة للجنس، والخطاب قرينة. { وأمْوالٌ اقْترفْتُموها } اكتسبتموها، وأصل الاقتراف والمقارفة مقاربة الشىء { وتجارةٌ تخْشَون كَسادَها } عدم غلائها، وقال ابن مبارك المراد البنات يخشون أن لا يجدوا لهن خاطبا. { ومَسَاكنَ } مواضع السكنى كالدور والبيوت والقصور { تَرْضَونها } لم تكرهوها { أحبَّ } خبر كان، وأفرد مع أن ما تقدم غير مفرد لأنه اسم تفضيل منكر، وهو شاذ قياسا، فصح استعمالا من حيث إنه من المبنى للمفعول، وكان الحجاج بن يوسف يقرأ أحب بالرفع، وسئل يحيى بن يعمر هل تسمعنى ألحن؟ قال نعم، ترفع أحب فى هذه الآية فنفاه، وقال عياض له وجه فى العربية، وهو أن يجعل فى كان ضمير الشأن، فيكون أحب خبر المبتدأ بعدها ولم يقرأ بذلك. { إليْكُم مِنَ اللهِ ورسُولهِ وجِهادٍ فى سَبيلِهِ } والمراد الحب الاختيارى، وإلا فالإنسان مطبوع على حب من ألف، وحب المال والوطن والراحة والسلامة { فَتربَّصُوا حتَّى يأتى اللهُ بأمرهِ } قال ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل هو فتح مكة، وقال الحسن عقوبة عاجلة، أو آجلة، وعنه القيامة، والأول نص فى أن الآية قبل الفتح، والآية موجبة أبدا أن يختار الإنسان أمر الله على أمر نفسه. { واللهُ لا يهْدِى القَوْم الفَاسِقينَ } لا يستعملهم فى أمر ينفعهم فى الآخرة ما دام تاركا لهم على فسقهم، فما عملوه من طاعة غير نافع لهم، أو لا يهدى من سبق فى علمه موته على الفسق، والفسق هنا الشرك والنفاق، وقيل الشرك وقد اختلفوا فيمن آمن ولم يهاجر، فقيل مشرك، وقيل منافق لا يرث من آمن وهاجر، ولا يرثه هو، قيل من تولى مشركا فهو مشرك، ومن تولى منافقا فهو منافق، والأول مشكل إلا إن أريد مشرك نزل النص أنه يموت مشركا، أو تولى مشركا لشركه أو عنادا.