الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ التَّائبونَ } أى هؤلاء البائعون هم التائبون، فهو خبر لمحذوف على المدح، ويدل له قراءة ابن مسعود، وأبىّ التائبين بالياء، نصبا بمحذوف على المدح، أى أعنى أو جرى على أنه نعت المؤمنين، وكذا هو فى مصحف ابن مسعود، وقيل هو بدل من واو يقاتلون، وأجاز الزجاج كونه مبتدأ محذوف الخبر يقدر بعد تمام الأوصاف هكذا من أهل الجنة وإن لم يجاهدوا، لقوله سبحانه وتعالىوكلاًّ وعد الله الحسنى } ويجوز كونه مبتدأ خبره ما بعده، وما بعد ذلك أخبار متعددة، أى التائبون من الكفر والمعاصى على الحقيقة هم الجامعون للعبادة والحمد، وما بعد ذلك، وقيل خبره الآمرون والتوبة باحتراق القلب على المعصية، والندم والعزم على تركها، وخوف العقاب، ورد المظالم إن كانت عن المظلمة، وعلى الوجهين الأخيرين لا يكون ذلك فى خصوص البائعين، وعلى ما قبلهما يكون فى خصوصهم، فلا يدخل فى البعدية إلا من جمع هذه الصفات، أو ما تعين عليه منها. وسأل رجل الضحاك عن قوله سبحانه وتعالىإن الله اشترى } الآية وقال ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل، فقال الضحاك ويلك أين الشرط { التائبون العابدون } الآية وقول الضحاك هذا صواب، وقال بعض قومنا إنه تشديد، وإن الشهادة ماحية لكل ذنب إلا مظالم العباد، وإنه روى أن الله تعالى يحمل عن الشهيد مظالم العباد ويجازيهم عنه، وذكر بعضهم أن المراد التوبة من كل معصية، ومما الأولى خلافه، والرجوع من حال إلى ما هو أحسن. { العَابدُونَ } المتقربون إلى الله بالفرض والنفل بإخلاص. { الحَامِدُونَ } الذاكرون الله فى السراء والضراء بأوصافه الحسنى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قضى الله خيرا لكل مسلم إن أعطاه شكر، وإن ابتلاه صبر " أو الشاكرون الله على النعم، والأول أظهر، وفى الحديث " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله فى السراء والضراء ". { السَّائحونَ } قال ابن مسعود وابن عباس الصائمون، وكذا فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى " سياحة أمتى الصوم " وعن الحسن السياحة كثرة الصوم، وذلك أن فى الصوم ترك اللذات كالسياحة، ولأنه رياضة نفس، وتهذيب لها، فيوصل إلى خفايا الملك والملكوت، كما أن السائح يلقى أنواع ضر فيصبر، والعلماء والصالحين فيستفيدوا عجائب فيتفكر وتعود عليه بركة ذلك كله، وقد قال بعضهم السائحون الجائلون بأفكارهم فى قدرة الله وملكوته وهو حسن. قال معاذ بن جبل اقعد بنا نؤمن ساعة نفكر فيزداد إيماننا، ويترك الشهود تنفتح الحكمة والأنوار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه فيصير من السائحين فى عالم جلال الله، المنتقلين من مقام إلى مقام، ومن درجة إلى درجة، ولا يتأتى الإخلاص مع تتبع اللذات ".

السابقالتالي
2 3