الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

{ وآخَرُون } معطوف على { منافقون } { اعْترفُوا } أقروا بذنوبهم ولم يعتذروا بباطل، صفة لآخرون، أو آخرون مبتدأ والجملة خبره أو نعته، والخبر { خَلطُوا عملاً صَالحاً وآخر سيئاً } أو هذه نعت ثان، وحال من واو اعترفوا والخبر { عَسَى اللهُ أن يتُوبَ عَليْهم } لأنه ولو كان إنشاء لكنه فى الحقيقة وعد وإخبار جىء بصورة الترجى ليكونوا فى خوف وطمع ولا يأمن، أو رجح الطمع بقوله { إنَّ اللهَ غَفورٌ } للذنب { رَحيمٌ } بالإعطاء، وأشار به إلى أن ذلك وعد منجز، أو يقدر القول، أى مقول فيهم عسى الله أن يتوب عليهم. وهؤلاء المعترفون ثلاثة أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، وأوس ابن ثعلبة، ووديعة بن حزام، وقال قتادة والحسن هم الثلاثة الذين خلِّفوا كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وعنهم أنهم نفر هموا بشىء ولم يعزموا عليه وتابوا منه، وقال ابن عباس عشرة، وعنه خمسة، وقال ابن جبير ثمانية أحدهم على كل قول أبى لبابة، ندموا على تخلفهم بعد نزول القرآن فى المتخلفين وبلوغه لهم، وقالوا كيف تكون فى الظل مع النساء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فى الجهاد، وأيقنوا بالهلاك، فأوثقوا أنفسهم على سوارى المسجد حين قرب من المدينة فى رجوعه. وقيل " هم عشرة، أوثق أنفسهم سبعة، وقيل هم سبعة فقط، زعم بعض أن منهم الجد بن قيس، ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل المسجد وصلى ركعتين على عادته إذ قدم من سفره، فرآهم موثقين، فسأل عنهم فقيل تخلفوا عنك، فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تطلقهم وترضى عنهم، فقال صلى الله عليه وسلم، " وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم، رغبوا عنى وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين " ونزلت هذه الآية فرضى عنهم، وأطلقهم " ، فذنوبهم هو تخلفهم، وهو أيضا العمل السيىء، والعمل الصالح توبتهم، وقيل ذلك على عموم الذنب، والعمل الصالح، ولو كان سبب النزول خاصا. قيل ما فى القرآن أعدل من هذه الآية، وقيل الآية فى أبى لبابة وذنبه، هو قوله لبنى قريظة إن نزلتم على حكم سعد فحكمه الذبح، ندم وربط نفسه بسارية، وحلف أن لا يحل نفسه، ولا يذوق طعاما أو شرابا حتى يموت أو يتوب الله سبحانه عليه، فمكث كذلك سبعة أيام، وخر مغشيا عليه، فنزلت، فقال والله لا أحل نفسى حتى يحلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحله، وعمله الصالح هو جهاده قبل ذلك، وتوبته هذه، وقيل توبته. وقيل هؤلاء المعترفون قوم من الأعراب منافقون تابوا، وإن قلت توبة الله على عبده قبوله التوبة منه، ولم يذكر الله سبحانه عنهم توبة؟ قلت إنهم تابوا، وأخبرنا الله عنها بقبولها لاستلزامه إياها، وبذكر الغفران والرحمة، لأن الرحمة لمن تاب، وبقوله { اعترفوا } فإن الاعتراف ولو كان مجرده غير توبة لكنه يشير إليها، وإذا قارنه الندم والإصلاح حصلت التوبة.

السابقالتالي
2 3