الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

{ وإذْ زيَّن لَهم الشَّيطانُ أعْمالَهم } من معادات رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرها، والتزيين بالوسوسة أو بالكلام بأن ظهر لهم، وتكلم فى صورة إنسان { وقالَ } بلسانه { لا غالبَ لكُم اليومَ } يوم بدر على أن تصوره سراقة كان يوم بدر، وهذا القول قاله يوم بدر، أو أراد باليوم الزمان مطلقا الذى هو وقت إرادة الخروج من مكة وما بعده إلى وقت القتال، على أنه تصور لهم بصورته حينئذ، وقال هذا القول حينئذ، ولكم متعلق بمحذوف خبر لا، واليوم متعلق به أيضا أو بلكم، أو تعلق أحدهما باسم لا لكان شبيها بالمضاف فيقال لا غالبا، وأجيز كون لكم لقتاله واليوم ظرف خبرى. { مِنَ النَّاسِ } لكثرة عُددكم وعددكم { وإنِّى جارٌ لكُم } مانع أن يأتيكم كنانة بما تكرهون، تقدم أنهم لما أرادوا الخروج لمنع العير، ذكروا حروبا كانت بينهم وبين بكر بن وائل من كنانة، حتى كادوا يتركون الخروج خوفا على أموارهم ونسائهم وذراريهم وضعفائهم، فظهر لهم إبليس فى صورة سراقة بن مالك بن جشعم الشاعر، وكان من أشراف كنانة، وهو من بكر بن وائل، وهم من كنانة فقال لهم إنى جار لكم من أن يأتوا من خلفكم بما تكرهون، وزاد بعضهم أنه قال لا تمرون بحى من كنانة إلا أمدوكم بالخيل والرجال والسلاح، وذلك قول الجمهور فى الآية. وقال ابن عباس فيها إنه جاء إبليس يوم بدر فى جند من الشياطين معه راية فى صورة سراقة فقال لهم لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم، أى ناصر ومصاحب وزين لهم أن جند الشياطين جند من كنانة، وأن من بقى منهم لا يأتيكم بسوء، ولما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبضة انهزم المشركون، وأقل جبريل إلى إبليس لعنه الله وكان فى صف المشركين، يده فى يدى الحارث بن هشام، انتزع يده منه ثم ولى مدبرا، وقيل فعل ذلك لما رأى الملائكة تنزل، وأن الحارث قال له أفراراً من غير قتال، وقيل قال له اتخذ لنا فى هذه الحال، فجعل الحارث يمسكه فما أطلقه حتى ضربه فى صدره فوقع فانطلق منهزما مع جند من الشياطين، وتصوره تخييل لا تغيير للحقيقة، لأنه لا قادر على ذلكم إلا الله. وقال غير الجمهور إن تزين الشيطان لهم بالوسوسة، وكذا القول، قال لهم فى صدورهم إنكم على الحق أو إن اتباعكم إياى فميا تفعلون من القربات مجير لكم من أن يغلبكم محمد وأصحابه حتى قالوا إنهم أهدى الفئتين، ودينهم أفضل الدينين كما مر، وبذلك قال الحسن، ولا إشكال فى إمكان وسوسته بذلك، فبطل قول بعضهم إنه لا يمكن أن يوسوس بقوله { إنى جار لكم }.

السابقالتالي
2 3