الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

{ وإذ يُرِيكُمُوهُم } الرؤية بصرية فى غير المنام باتفاق هنا، متعدية لاثنين بالهمزة، الأول الكاف والميم علامة، والواو تقوية، والثانى الهاء { إذ التَقيْتُم فى أعْينكُم } متعلقان بيرى { قَليلاً } حال من الهاء والتاء فى التقيتم للمؤمنين والمشركين، تغليبا للمخاطبين وهم المؤمنون، أو خطابا للكل تنزيلا للمشركين منزلة من حضر مع المؤمنين فى وقت نزول هذه الآية، أو التاء للمؤمنين فقط، فالتقدير إذا التقيتم مع المشركين أراهم الله المشركين قليلا، حين تصافوا للقتال زيادة للتثبيت، وما الخبر كالعيان، وتصديقا للرؤيا بأن ستر الله عنهم أكثر المشركين بسائر، أو يحدث فى أعينهم ما يستقلون به الكثير كما يحدث فى أعين الحوَل ما ترون به الواحد اثنين. قيل لبعض الحوَل إن الأحول يرى الواحد اثنين، وكان بين يديه ديك واحد ويراه اثنين، فقال مالى لا أرى هذين الديكين أربعا، وتقليل الكثير، وتكثير القليل ممكنان فى قدرة الله بما شاء، قال ابن مسعود لقد قللوا فى أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبى أتراهم سبعين، قال أراهم مائة، فأسرنا رجلا منهم فقلنا كم كنتم؟ فقال ألفا ذكره جار الله، ولا يرد على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " إن القوم ما بين التسعمائة إلى الألف " لأن ابن مسعود رضى الله عنه ومن جرى مجراه لم يعلموا بمقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو علموا بها وصدقوا بها، وتوهموا أن الأكثر لم يحضروا هناك، بل تأخروا، أو رأوا أن مقالته لم يقلها على طريق الجزم، بل قالها مستندة إلى قول المشرك إنهم ينحرون يوما عشرا ويوما تسعا، فتوهموا كذب المشرك، أو تيقنوا أنهم كما قال، وأنهم حاضرون كلهم، وأنهم فى ذلك العدد الذى رأوا سبعين أو مائة تسليما لقول النبى، وأمر الله، وأجيز أن تكون القلة فى الآية بمعنى ضعف حالهم، وعدم ثباتهم للمؤمنين وهو خلاف ما مر عن ابن مسعود. { ويُقلِّلكُم فى أعيُنهِم } ليجترءوا عليكم، ولا يبالوا بكم، وتسكن قلوبهم إلى أنهم غالبوكم، فلا يستعدون، ذلك بعد أن رأوهم، وقبل أن تتصافُّوا للقتال، أو بعد التصاف، وقبل الشروع فى القتال، أو المراد بالأعين أعين قلوبهم، أعنى ما تعتقده قلوبهم، فإذا تصاففتم أو شرعتم فى القتال، أو رأوكم فاجأتهم كثرة لم يسعدوا لها، وشدة سكنوا إلى غيرها فبهتوا وقلت شوكتهم إذ رأوا ما لم يحتسبوا، وسيأتى فى السورة أنهم رأوهم مثلهم، فبذلك تزيد الحجة عليهم قوة، وتزيدون فى الإيمان قوة. قيل لأبى جهل انصرفوا فقد نجت العير، فقال الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم، وإنما هم أكلة جزور أى ناقة، والأكلة بفتح الهمزة والكاف جمع أكل كطلب وطلبة، يعنى أنهم قليل قدر ما تشبعهم ناقة منحورة، ثم قال فلا تقتلوهم واربطوهم فى الحبال.

السابقالتالي
2