الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }

{ وما كانَ اللهُ ليعذِّبهمْ } هذه اللام مؤكدة للنفى قبلها، ودالة على أن هذا العذاب استئصال، قال أبو زيد سمعت من العرب من يقول ما كان الله ليعذبهم بفتح اللام وهى لغة غير معروفة ولا مستعملة فى القرآن { وأنْتَ فيهِم } إذ من عادة أمر الله وحكمته أن لا يعذب قوما عذاب استئصال ونبيهم أو مؤمنوهم بين أظهرهم على ما مر، وفى ذلك تنبيه على أنهم أحقاء بعذاب الاستئصال لو لم يكن فيهم، وهذا وما بعده إلى آخر الآية نزل بمكة، وقيل بالمدينة بعد وقعة بدر حكاية لما مضى، وقيل نزل هذا بمكة إثر قولهمأو ائتنا بعذاب أليم } ونزل قوله { وما كانَ اللهُ مُعذِّبهم وهُم يسْتغفِرُونَ } فى طريقه إلى المدينة عند الهجرة، فهى مدينة، فإن المدنى ما نزل بعد الهجرة فى أى مكان، والمكى ما نزل قبلها كذلك، وهذه إشارة إلى أن سبب إمهالهم، وعدم إجابة دعائهم على أنفسهم بإمطار الحجارة، أو بعذاب غيره هو استغفار لهم، ولولاه ما أثبت النبى صلى الله عليه وسلم فيهم، بل يخرجه فيعذبهم، وكانوا يقولون غفرانك اللهم، وكانوا يقولون بعد الفراغ من الطواف غفرانك غفرانك، ويقولون لبيك لا شريك لك، وقيل لما أمسوا ندموا على قولهماللهم إن كان هذا هو الحقَ } فقالوا غفرانك اللهم. وقال الضحاك المستغفرون هم بقية المؤمنين فيهم بعد خروجه، حكم عليهم بالاستغفار، لأن فيهم من يستغفروهم بقية المؤمنين المستضعفة، وأن ذلك نزل فى مكة، وقيل عن الضحاك، وابن عباس، وأبى مالك إن الضمير فى قوله { وهم يستغفرون } لهؤلاء المؤمنين الباقين بمكة، ويضعفه أنه لم يجر لهم ذكر ولا ديليل عليهم سوى الاستغفار، وهو دليل ضعيف بالسياق السابق واللاحق، وبوجود الاستغفار من الكفر، وذكر أيضا عن ابن عباس ما ذكرته أولا، وذكر عنه، وعن مجاهد ما كان الله ليستأصلهم بالعذاب، وفيهم من سيسلم فيستغفر. فهذا الاستغفار من لوازم الإسلام ومسبباته، حتى أن بعضا فسر هذا الاستغفار بالإسلام، وفسره بعضهم بالصلاة، فلوجود من سيسلم فيهم حكم عليهم بالاستغفار من باب الحكم على المجموع، وبه قال الزجاج، وفيهم أبو سفيان، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبى جهل، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام، وعن مجاهد المستغفرون ذرية بعضهم، ونسب الاستغفار إليهم، لأن ذريتهم منهم، وعنه وعن عكرمة مولى ابن عباس، وعن قتادة لا أعذبهم وهم مستغفرون، أما إذا كانوا غير مستغفرين فسأعذبهم لأنهم غير مؤمنين، فضلا عن أن يستغفروا وهو قريب من قول بعضهم إن ذلك جلب لهم إلى الإيمان، أى أطيعوا حتى لا أعذبكم، كقولك لعبدك لا أعذبك وأنت تطيعنى، تريد منه أن يطيعك فينجو من عذابك، ويحتمله قوله تعالىوما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } وعلى كل حال فجملة { وهم يستغفرون } حال، وهى حال مقدرة على القول بأن المعنى سيسلم بعضهم، و القول بأن المعنى تستخرج منهم ذرية مسلمة، وفى الحديث عن ابن عباس، وأبى موسى الأشعرى " أن الله أنزل علىَّ أمانين لأمتى { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة " قيل ما من أمة فيها خمسة عشر رجلا من المسلمين يستغفرون إلا رحم الله تلك الأمة.