الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

{ واتَّقُوا فِتنةً لا تُصيبنَّ الَّذينَ ظلمُوا منْكُم خاصَّةً } أى اتقوا ذنبا لا يختص وباله بفاعله، فالفتنة الذنب، وظلموا فعلوا ذنبا، وذلك كترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكالمداهنة وهى جلب الدنيا بالدين، وكاقتران الكلمة وظهور البدع، والتكاسل عن الجهاد، قاله القاضى، وفى بعضه نظر، فإن الذنب الذى هو ترك الأمر والنهى، أو الذى هو المداهنة يصيب فاعله فقط، وأما تارك المعروف، وفاعل ما يداهن عليه، فإنما يصيبهم ذنبهم الذى فعلوا والأولى تفسير الفتنة بالعذاب، فيكون المعنى احذروا العذاب العام، بأن تأمروا وتنهوا، أو تنصفوا، وإلا فعميم العذاب من فعل الذنب ومن لم يأمره ولم ينهه، ولم ينصف وبأن تجمعوا الكلمة وتزيد البدع وتجاهدوا، وإلا اتصل الباطل بكل أحد وانتشر، وخاضوا فيه فيعمهم العذاب. وقد ثبت فى الحديث أن من قدر على تغيير المنكر ولم يغيره كان كفاعله ويصيبه الله بعقاب قبل أن يموت، ومن رضى به كمن حضره وكمن فعله، وذلك إذا ظهر المنكر أو علم به، وأنه ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشى، والماشى خير من الساعى، من تشوف لها تسترقه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ. وقد علمت مما ذكرت أن غير الظالم بذنب إنما يصيبه العقاب بذنب آخر، ففاعل المنكر يعاقب بفعله وغيره يعاقب بترك النهى، فلا حاجة إلى قول بعضهم فى الجواب أن الخلق ملك لله يتصرف فيه بما شاء، وعن قتادة، والضحاك، ومقاتل، والسدى نزلت فى قوم مخصوصين من الصحابة أصابتهم الفتنة يوم الجمل، وهم على، وطلحة، والزبير، قيل وعمار، قال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعينون بها، وما علمت أنا مرادون بها إلا اليوم، يعنى يوم الجمل، قال السدى زلت فى أهل بدر فاقتتلوا يوم الجمل. " وكان الزبير يساير النبى صلى الله عليه وسلم يوما فاقبل علىّ فضحك إليه الزبير، فقال صلى الله عليه وسلم " كيف حبك لعلى؟ " فقال يا رسول الله بأبى أنت وأمى إنى أحبه كحبى لولدى أو أشد، فقال " فكيف أنت إذا سرت إليه تقاتله؟ " وما كنت أظنها إلا فيمن حوط بها وقت نزولها " وقيل الفتنة الابتلاء والاختبار ولا يصح أن تكون جملة لا تمييز جواب للأمر، ولا نافية إذ لا يصح معنى قولك إن اتقيتموها لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، وشرط الجزم فى جواب الأمر والنهى أو غيرهما كما قال ابن هشام تقدر الشرط من مضمون ما قبله، مثل لا تدن من الأسد تسلم، أى لا تدنى منه تسلم، فقد لا النافية، لأن النهى نفى إلا على مذهب الكسائى ومن معه من الكوفيين، فلا يشترطون ذلك فيجيزون الجزم فى قولك لا تدن من الأسد يأكلك، بتقدير إن تدن منه يأكلك، فيجوز على قولهم كون لا تصيبن جوابا للأمر أى إن لم تتقوها لا تصيبن، وهكذا يقدرون ما يناسب الكلام، لكن من جنس ما تقدم، فتقدير القاضى إن أصابتكم لا تصيبن الخ لا يصح كما قال ابن هشام، ولو أقره السعد والسمنى إذ لا يناسب كونه جواباً للأمر، ولا يتبين وعليه فتصيب فى محل جزم، ويضعفه أن جواب الشرط متردين الوقوع وعلمه فلا يليق به النون المؤكدة لكن لما تضمن النفى معنى النهى ساغ كقوله

السابقالتالي
2 3