الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }

{ إِلَى رَبِّهَا } لا الى غيره كما يفيده التقديم * { نَاظِرَةٌ } منتظرة اي ينتظر اصحابها رحمة الله ويرجونها لا يتوقعون النعمة والكرامة الا من الله كما لا يخشون ولا يعبدون في الدنيا الا إياه والنظر كثيرا ما يتعدى بإلى ويكون بمعنى الانتظار ومنه
وإذا نظرت اليك ملك والبحر دونك زدتني نعما   
قال جار الله وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون الى مقايلهم تقول عيني نويظرة الى الله واليكم وقال الشاعر
وجوه ناظرات يوم بدر الى الرحمن تنتظر الخلاصا   
وروي الى الرحمن ياتي بالفلاح فتراه قال نظرت اليك والبحر دونك فتبين أن النظر بمعنى الانتظار فانه لا يراه من جانب البحر الى الجانب الآخر ولم يرد بحر النيل او غيره من البحور التي يرى من بجانبها من الجانب الآخر كبحر طنجة وكالفرات لان المقام مقام التعظيم وتراها قالت نويظرة اليكم مع انهم قد ارخوا الستور وايضا قالت نويظره الى الله ومعلوم انه لا يرى في الدنيا عند معظم الخصماء كما لا يرى عندنا ايضا في الآخرة فقد ثبت تعدية النظر بمعنى الانتظار بالى لا كما زعم الخصم انه يتعدى بنفسه ابدا ولا يقال لو كان النظر بمعنى الانتظار لم يسند الى الوجه لان الانتظار ليس بالوجه لانا نقول كما مر الوجه بمعنى الجملة وقد اسند النظر اليه لان المراد الجملة كما تطلق الرقبة على الجملة وهذا كثير في القرآن واضح كقولهفتحرير رقبة } لا غير واضح ولا غير ظاهر كما زعم بعض وان قلت الذي في البيت بمعنى السؤال قلت نعم وكفى به حجة عليك فان انتظار الرحمة سؤال لها فهو في الآية بمعنى السؤال وعدي بإلى لتضمنه معنى الانهاء اي انهينا اليك آمالنا واوصلنا اليك وما قيل من انه لو كان في البيت بمعنى الانتظار لما قال زدتني نعما لان الانتظار لا يستعقب العطاء ممنوع بان المراد المبالغة في المدح حتى ان انتظار الممدوح كسؤاله وايضا الكلام على المجاز وايضا لو كان المراد في الآية البصر لما حصره في الرب حاشاه فان في المحشر اهو الا يبصرها الباصر ولا يقال هذا ليس في كل الاحوال حتى ينافية نظرها الى غيره لانا نقول قوله يومئذ دليل ان ذلك في كل الاحوال وهذا ظاهر لا يعدل عنه الا بدليل كما اذا قلت لبثت يوما حمل على لبثه كله إلا لقرينة ولما اطلع بعضهم على مواضع من التنزيل وغيره تعدى فيها النظر بمعنى الانتظار بنفسه لا بالى زعم انه ابدا يتعدى بنفسه وخطأ من قال أنه يتعدى أيضا بالى وهو الخاطيء وأما ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من انكم ترون ربكم يوم القيامة عيانا لا تضامون في رؤيته كما تضامون في رؤيته القمر ليلة البدر ولا في رؤية الشمس ليس دونها سحاب وتضامون بفتح التاء وقد تضم وتشديد الميم اي تزدحمون او بضمها وتخفيف الميم اي لا ينالكم ظلم فيراه بعض دون بعض وروي الا تضارون وهو كذلك وما روي عنه ان اكرمهم على الله من ينظر في وجهه غدوة وعشية وما روي أنه يكشف الحجاب فما اعطوا شيئا احب اليهم من النظر الى ربهم فان ذلك كله كذب عن الراوي وكذب عنه صلى الله عليه وسلم فان ذلك ينافي قوله تعالى { لا تدركه الابصار } وقد قال ما جاءكم عني وخالف كتاب الله فليس عني لو تصور شيطان بصورة الصحابي فذكر لهم ذلك وما رووه عن ابن عباس والحسن كذب عنهما وان صح فالنظر بمعنى العلم بوجوده وقولهم عيانا زيادة منهم في الحديث ان كان الحديث ثابتا وقد ذكر السعد الحديث عن احد وعشرين من اكابر الصحابة ولم يذكر فيه عيانا وان صح لفظ عيانا فالمعنى العلم الصحيح الذي كعلم الشيء بالمعاينة وعن بشير عن الضحاك عن ابن عباس أنه خرج ذات يوم فاذا هو برجل يدعو ربه شاخصا بصره الى السماء رافعا يديه فوق رأسه فقال له ابن عباس ادع ربك باصبعك اليمني وسل بكفك اليسرى وأغمض بصرك وكف يدك فإنك لن تراه ولن تناله فقال الرجل ولا في الآخرة فقال ولا في الآخرة فقال الرجل وما وجه قول الله تعالى

السابقالتالي
2 3