الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ والَّذين آمنُوا وعَملُوا الصَّالحات لا نكلِّف نفْساً إلا وُسْعها } طاقتها التى لا حرج فيهاوما جعل عليكم فى الدين من حرج } ما كلفنا إلا بما يسهل، وقيل الوسع بذل المجهود ورد بأن أكثر أهل الجنة لم يبذلوا مجهوداً، بل امتثلوا الفرائض، وفى طاقتهم أكثر منها، ولم يستعملوها فى غيرها، أو استعملوها فيها وفى نفل قليل، وقد يجاب بأن المراد بذل المجهود فى الطاعة اللازمة للناس فى الجملة، ووسعها منصوب على تقدير الباء، أو مفعول ثان لنكلف مضمنا معنى نلزم، وقرأ الأعمش لا تكلف نفس، وجملة { لا نكلف نفساً إلا وسعها } أو { لا تكلف نفس إلا وسعها } معترضة بين المبتدأ الذى هو الذين وخبره الذى هو. { أولئِكَ أصْحابُ الجنَّة } للترغيب فى اكتساب ما لا يبلغ غايته، وصف الواصف من النعيم والشرف بما هو يسير فى الطاقة، لا يعجز النفس وللإعلام بأن الدين يسر، ويجوز كون الخبر جملة { لا نكلف نفساً إلا وسعها } أو { لا تكلف نفس إلا وسعها } والرابط محذوف أى نفساً منهم أو نفس منهم. { هُم فيها خَالدُونَ * ونَزَعْنا ما فى صُدُورِهم مِن غلٍّ } فى عامة المؤمنين المذكورين يخرج الله ما كان فى قلوبهم من الحقد والحسد من بعض على بعض، أو من بعض على غيرهم، وذلك أن الإنسان ولو كان مؤمناً لا يخلو من حقد وحسد مطبوعين فيه، لكن المؤمن يزاولهما ويجاهدهما، ولا يعمل بهما، وإن عمل تاب وتخلص إلا من شاء الله فإنه لا يقعان فى قلبه أصلا وهو قليل، أو يخرج من قلوبهم أسباب الغل والماصدق واحد، فإن من أخرج الله من قلبه الحقد والحسد إلى ما لا نهاية له، ومن أخرج منه أسبابهما كذلك، سواء فى بقاء القلب على المودة واللذة والسرور ورؤية نفسه فى كمال أبدا، حتى إنه لا يقع فى قلبه اشتهاء منزلة غيره، وصاحب الغل فى عذاب وهم، ولا عذاب ولا هم فى الجنة. وروى أنهم يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص من بعض لبعض، أى مما لا يمنع من دخول الجنة كمظلمة نسيها، وقد تاب فى الجملة توبة نصوحا، وكمظلمة لم يتوصل إلى خلاصها لعدم ماله، وقد تاب نصوحا حتى إذا هديوا دخلوا الجنة، واحدهم أهدى بمنزلة فيها منه بمنزلة فى الدنيا، وقيل يشربون من عين فى أصل شجرة فى باب الجنة، فينزع غلهم، ويغسلون من عين أخرى فى أصلها فتجرى عليهم النظرة أبدا، وقيل نزل { ونزعنا ما فى صدورهم من غل } الخ فى أهل بدر، أى نزلت بسببهم ولفظها يعم المؤمنين، فإنه لا يبقى غل فى قلب أحد من المؤمنين، وفى الحديث " الغل على باب الجنة كمبارِكِ الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين "

السابقالتالي
2 3