الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ قُلْ إنَّما حرَّم ربِّى الفَواحِشَ } ما بلغ النهاية فى القبح كالتعرى والشرك وتحريم الحلال، وقيل الفاحشة، ولو كان فى اللغة ما تناهى قبحه، لكنها فى العرف الزنى حتى إنه المفهوم عند الإطلاق، فهو المراد فى الآية، وسكن حمزة ياء ربى فتحذف للساكن بعدها. { ما ظَهَر منْها } بدل مطابق بالنظر إلى المعطوف { وما بَطَنَ } المراد التعميم، وعنه صلى الله عليه وسلم " أنا أغيركم، والله أغير من كل أحد، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه " وغيرة الإنسان هيجان غضبه وامتناعه للمشاركة فيما يختص به، وأكثر ما يكون فى الأرواح، وغيرة الله شدة تحريم، وقال مجاهد ما ظهر الطواف بالعرى، وما بطن الزنى. { والإثْم } الذنب مطلقا فاحشا أو غير فاحش، صغيرا أو كبيرا، عطف عام على خاص، لئلا يتوهم حل ما سوى الفواحش، وخص الفواحش بالذكر لأنهم بصددها شديد والجدال عنها، ولعظم قبحها، ولمناسبة ما تقدم، وقال الحسن وعطاء الإثم الخمر، وفى الصحاح يسمى الخمر إثماً لقوله
شربت الإثم حتى ضل عقلى كذلك الإثم تذهب بالعقول   
وفى المحكم تسمية إثماً صحيحة عندى، لأن شربها إثم، وأقول هذا ضعف من حيث إن الآية مكية، والخمر حرمت بالمدينة بعد أحد، ومن حيث إنه يحتمل أن المراد بالإثم شربها لا هى، فكأنه قال وحرم الإثم الذى هو شرب الخمر، أو يقدر مضاف أى خمر الإثم، وأضيفت إليه لأنه كثيراً ما يتولد بشربها، ولكن الاحتمالين لا يصح إثباتهما مع ما ذكرت من أنها حرمت بالمدينة، وقد أنكر ابن الأنبارى تسميته الخمر إثماً وقال إن العرب ما سمتها قط إثماً لا فى الجاهلية ولا فى الإسلام، ولعل البيت عنده مصنوع أو يقدر مضافا، أى شربت خمر الإثم، وكذا شرب الإثم يذهب بالعقول، أو يجعل الإثم مفعولا مطلقا، أى شربت الشرب الذى هو ذنب وهكذا. وقيل الفواحش الكبائر، ولو لم يتزايد قبحها أو لم يقبحها العقل أصلا كلبس الرجل الحرير والذهب نظرا إلى أنه قد تزايد قبحها تحريم الشرع، والإثم الصغيرة، وقيل الفواحش ما وجب عليه الحد كالزنى والسرقة والقتل، والإثم ما لا يجب عليه كسرقة أقل من ربع دينار، والسرقة من غير الحرز، والربا، والإثم فى القولين مستعمل فى الخصوص، ولو كان أصله الذنب مطلقا صغيرا أو كبيرا يجب عليه الحد أو لا يجب، واستعمال العام فى الخصوص جائز وارد، ولا سيما مع ذكر ما يعلم منه الخصوص كما هنا فلا اعتراض على القولين ولو ادعاه بعض. { والبَغْى } الظلم أو أشده، أو الكبر أو أشده، أو كل ذلك، وخصه بالذكر مع أن الفواحش أو الإثم يعمه فى بعض الأقوال المذكورة تأكيدا لتحريمه، وزاد له تأكيدا بقوله { بغَيْر الحقِّ } فإنه لا يتصور بغى بحق وهو حال مؤكدة. { وإنْ تُشركُوا بالله ما لم ينزِّل به سُلطاناً } حجة من صنم وغيره، هذا تهكم بهم، لأن أصل هذه العبادة ونحوها إنما هو لما يجوز أن يكون ولم يكن، وإنزال البرهان بأن يشرك به غيره غير جائز مستحيل، وفى ذلك تنبيه على تحريم اتباع ما لم تدل عليه حجة. { وأنْ تَقُولوا عَلى اللهِ ما لا تَعلَمونَ } من التحريم والتحليل، كقولهم إن الله أمرنا بالطواف بالعرى، وأنه حرم السائبة والوصيلة والبحيرة.