الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

{ يا بَنِى آدَم لا يفْتِنَّنكم الشَّيطانُ } لا يضلكم عن طريق الهدى، أى احذروا أن يتأثر فيكم إغواءه ولا تبتغوه، فالنهى لهم ولو كان بحسب اللفظ للشيطان { كما أخْرجَ أبويْكُم } أباكم آدم وأمكم حواء { مِنَ الجنَّة } أى كما فتنهما بإخراجهما منها، وأنتم أهون فى الإضلال منهما عنده، وأسهل فاحذروا، وقيل نزل ذلك فيمن يطوف بالبيت عريانا، قال بعضهم ذلك من عادة قريش، وعن الضحاك وقتادة من عادة قبيلة من اليمن، وإسناد الإخراج إلى إبليس، فجاز لتسلية فيه، والمخرج هو الله، وكذا إسناد النزع إليه فى قوله { ينْزِعُ عنْهما لباسَهما } وهذه الجملة حال من أبويكم، ومن ضمير أخرج، والمضارع للحال الماضية المنزلة بمنزلة الحال الحاضرة المشاهدة، تأكيدا فى تحذيرهم، وهى فى نفسها ماضية كأنه قيل أخرجهما نازعا لباسهما، ولا يخفى ما فى الآيات من الدلالة على فتح الكشف، وأن الستر باب عظيم من أبواب التقوى، وأسند نزع اللباس عنهما إلى إبليس لعنه الله، وهو فعل لله تعالى، لأن سببه الأكل من الشجرة، وسبب الأكل وسوسته ومقاسمته إنى لكما لمن الناصحين. { ليُرِيَهما سَوْآتهما } الرؤية بصرية، وتعدت لاثنين بالهمزة، فإن يرى مضارع أرى، والمراد باللباس هنا ما مرّ، وقال مجاهد إن المراد هنا التقوى، وإن السوأة المعاصى { إنَّه يراكُم هُو وقَبيلُه } أى جنوده وهم الجن والشياطين، والمفرد قبيلة، وهى الجماعة، وسميت لأن بعضها يقابل بعضا، وقيل هو مفرد، وعن الليث القبيل كل جيل من إنس أو جن، وقيل القبيل ثلاثة فصاعدا عن قوم شتى، والجمع قبل، والقبيلة بنواب واحد، وقيل القبيل المصنف، فكأنه قيل وصنفه الذى هو منه، وقيل القبيل النسل والولد، والهاء فى إنه لإبليس أو للشأن، والعطف على المستتر فى يراكم، وقرىء وقبيله بالنصب على الصيغة أو على تقدير وإن قبيله يرونكم. { مِنْ حَيثُ لا تَروْنَهم } وجملة إن وما بعدها تعليل للنهى وتحذير من فتنتهم، فإنهم أعداء كامنون يصعب الاحتراز عنهم، قال مالك بن دينار إن عدواً يراك ولا تراه لشديد المؤنة، إلا من عصم الله، والذى يظهر أنه لا ترى الجن، لأن الله سبحانه أخفاهم عنَّا ولم يخلق فى عيوننا إدراكهم لا لرقة أجسادهم ولطافتها، أو عدم لون فيها كما قال بعضهم، وخلق فى أعينهم قوة يروننا بها ويرون بعضهم بعضا، ولو كان عدم رؤيتنا لهم للطافتهم ورقتهم كما قالت المعتزلة والسيوطى وقالوا إنهم إنما يروننا لكثافة أجسامنا، وزعم جار الله أن الجن لا يراهم أحد، ولا يظهرون للإنس، وإن ادعاء رؤيتهم زور ومخرفة، وكذا قال الشافعى فيما روى عنه، وروى أنه قال بتخريج مدعى رؤيتهم، وذلك تمسك بظاهر الآية. وزعم أنه كلما ورد فى رؤيتهم فإنما هو بالتخييل لا بالتحقيق وهو خطأ منه مشهور، قلده فيه أهل مذهبه وغيرهم، حتى بعض أهل مذهبنا ممن عاصرناه، وليس الشافعى بنبى ولا صحابى، وإنما هو رجل مثلنا، ولا حديث له على دعواه.

السابقالتالي
2 3