الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ }

{ فدَلاَّهما } أنزلهما من علو إلى أسفل { بغُرورٍ } بكلام غير صحيح متعلق بدلى، أو بمحذوف حال من المستتر فيه، أو من الهاء أو منهما، أى ملتبسا أو ملتبسين بغرور، شبه حالهم بحال من أنزل أحدا من مكان مرتفع جداً بحبل ضعيف بقدمه أو من أصله، فإذا تدلى واستقبل بذلك الحبل انقطع وهلك، وذلك أنه غرهما بكلامه وقسمه، فأنزلهما من رتبهما الشريفة إلى هذه الدنيا المتعبة الموقعة فى المهالك وإلى المعصية، فذلك استعارة تمثيلية، ولا يكاد البلغاء يحملون الكلام على غيرها ما وجدوها، هذا ما ظهر لى وهو أولى من أن تجعل دلى استعارة تبعية، وبغرور ترشيحا أى بحبل غرور أو الغرور هو الحبل نفسه مبالغة فى ضعفه، وعلى كل حال، فالمعنى أنه خدعهما. قال قتادة إنما يخدع المؤمن بالله، فإنهما ظنا أن لا يحلف أحد بالله كاذبا كما قالا حين عاتبهما الله، وكان ابن عمر إذا رأى عبدا من عبيده مطيعا لله ومحسنا للصلاة أعتقه، فكان عبيده يفعلون ذلك طلبا للعتق، فقيل له إنهم يخدعونك، فقال من خدعنا بالله انخدعنا له، وقال لهما إنى خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما فاتبعانى أرشدكما. { فلمَّا ذاقا الشَّجرةَ } الفاء للاستئناف، أو لعطف قصة على أخرى، أو على محذوف أى اتبعاه، فلما ذاقا الشجرة وهى شجرة الحنطة أو التين أو العنب كما مرّ، والذوق الأكل اليسير قدر ما يجدان طعم المأكول وهو المراد بالأكل فى فأكلا منها، وبه استوجبا العقوبة وهى ظهور عورتهما كما قال { بَدَتْ لَهما سََوْآتُهما } ظهر لكل منهما قبله ودبر غيره وقبله، بأن انتثر عنهما لباس الجنة، وتمزق بالمعصية، وهو حلة، وقال وهب بن منبه كان عليهما نور ستر عورتهما، وقال ابن عباس وقتادة كان لباسهما ظفراً فلما عصيا تقلص عنهما وانكشط ولم يبق منه إلا فيما فى الأصابع والبنان، وإنما بقى ذلك ليتذكرا به المعصية، فيجددان الندم والتوبة كلما رأياه. { وطَفِقا } شرعا، وقرأ أبو السمال بفتح الفاء { يخْصِفانِ } يرقعان { عَليهما } ورقة فوق ورقة { مِنْ وَرَقِ الجنَّة } ليصير كهيئة الثوب يستران به عورتهما، بادرا بذلك بقبيح انكشاف العورة فى عقليهما، فاعتبروا ذلك وهو ورق التين فيما قيل عن ابن عباس رضى الله عنهما، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب بتشديد الصاد، والأصل يختصفان، نقلت فتحة التاء للخاء وأبدلت صادا، وأدغمت فى الصاد، وكذا روى عن عبد الله بن بريدة ويعقوب، والمشهور عن الحسن كسر الخاء مع تشديد الصاد، وبذلك قرأ الأعرج ومجاهد، فالأصل يختصفان أيضا، سكنت التاء وقلبت صادا وأدغمت، وكسرت الخاء على أصل التخلص من التقاء الساكنين، أو أصل الخاء الفتح بالنقل كما مر، ثم انكسرت تبعا للصاد.

السابقالتالي
2 3