الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ }

{ واذْكُر ربَّك } بلسانك { فى نَفْسِك } أى سرا بأن تحرك لسانك، وتسمع أذنك، أو يكون بدون أن تسمع، وهذا عام فى قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل، وذلك أدخل فى الإخلاص، والتدبر، وقيل الذكر القراءة فى الصلاة، ويرده أن ليست قراءة الصلاة كلها سرا إلا إن أراد صلاة السر، وقال فرقة فى صلاة ركعتين فى الغدو، وركعتين فى الآصال قبل أن تفرض الخمس. { تَضرُّعاً } خضوعا وهو مفعول لأجله، أو مفعول مطلقا أو حال على ما مر { وخِيفَةً } نوعا عظيما من الخوف، قلبت الواو وياء لكسر ما قبلها، ولا يحصل الخوف إلا وقد حصل الرجاء وبالعكس، وإلا فالحاصل آيس لا خوف، وقطع لا رجاء، ولما كان لفظ الرب مشعرا بالتربية المتضمنة للرحمة والفضل والإحسان اتبعه بذكر التضرع والخوف، ليجمع بين الخوف والرجاء. { ودُونَ الجَهْر } عطف على فى نفسك، أو متعلق بمحذوف حال معطوفة على أخرى، وهى تضرعا إذا جعل تضرعا حالا، أى وثبوتا وتكلما، وإنما قدرتها مصدر المناسبة تضرعا فى المصدرية، ويجوز تقديرها وصفا أى وثابتا أو متكلما، ومعنى كون الإنسان دون الجهر أنه بمعزل عنه، ويجوز كونه متعلقا بمحذوف نعت لمصدر محذوف منصوب بحال محذوف، أى ومتكلما كلاما ثابتا دون الجهر، وعلى كل حال فهو من حيث المعنى مؤكد لقوله { فى نفسك } إذا فسرنا فى نفسك كما مر السر، وذلك إغراء بالسر بذكره مرتين، هذا ما ظهر بالتأمل. ويجوز أن يراد بالذكر فى النفس الإسرار بأن يسمع أذنه، أو يحرك اللسان بلا إسماعها، وبقوله { دون الجهر } إسماع الغير بلا جهر مفرط، فيكون الكلام إباحة للأمرين، ومن فسر ذلك فى الصلاة حمل الأول على صلاة السر، والثانى على صلاة الجهر، فيكون المراد بالجهر المجتنب الجهر المفرط كما علمت إشارة للتوسط. ويجوز أن يكون المراد بالذكر فى النفس عدم تحرك اللسان مع تتبع الكلام فى النفس، وهذا فى غير الصلاة، وأما فيها فلا إلا لذى علة لم يجد معها سوى ذلك، لكن إطلاق الذكر على ذلك مجاز عند الجمهور فيما قيل، وقيل حقيق وبدون الجهر تحرك اللسان بدون إسماع الآذان، أو بدون إسماع الغير، وهذا فى غير الصلاة، وفى صلاة السر، ويجوز أن يراد بالذكر فى النفس استحضار جلال الله فى القلب، وبدون الجهر التكلم سرا، والمعتبر فى الذكر ذكر القلب. { مِنَ القَوْل } متعلق بالجهر، كقولك أكلت من الطعام وشربت من المائع { بالغُدوِّ } فى الغدو، وهو جمع غدوة وهى البكرة { والآصالِ } جمع أصيل وهو ما بعد صلاة العصر إلى المغرب كيمين وأيمان، ووزنه أفعال، إلا أن ورشا نقل فتحة همزته للام، وحذف الهمزة، وقيل جمع أصل بضم الهمزة والصاد، وأصل جمع أصيل، والمراد بالوقتين عموم الأوقات، كما تقول لمن أردت وصفه بالنوم الكثير ينام بكرة وعشيا، وهذا على ما مر من أن المراد مطلق الذكر، وقيل المراد خصوم الوقتين لفظهما، فالغدوة وقت بعد الانتباه من النوم الشبيه بالموت، فيفتح حياته بالذكر، والأصيل آخر حياته، بل قريب من آخرها، لأنه لا ينام بعد العشاء، والنوم كالموت فيستقبله بالذكر، وأيضا تصعد أعمال الليل غدوة، وأعمال النهار قريب المغرب أو فيه.

السابقالتالي
2