الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

{ وإمَّا } إن الشرطية وما المؤكدة أبدلت النون ميما وأدغمت { ينْزِغنَّكَ مِنَ الشَّيطانِ } ينخسنك بالوسوسة فى قلبك، شبهها بنخس الدابة، ففى ينزغ استعارة تبعية تصريحية، وقلَّ ما يستعمل النزغ إلا فى فعل الشيطان، وقال الزجاج النزغ أدنى حركة يكون، ومن الشيطان أدنى وسوسة، وقيل النزغ حركة فيها فساد، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان فى يده " على أن النزغ فى يده حقيق، وبه أشار إلى أخيه بالسلاح، لكن يحتمل الوسوسة فى القلب، وأوقعه على اليد لظهور أثرها فى البلد. { نَزْغٌ } بأن أمرك بخلاف ما أمرت، وقيل المراد التأثير الغضب، وكانت الكفرة تواجهه بما يغضبه، وقد روى أنه لما نزل { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } قال " فكيف فى الغضب يا رب " فنزل { وإما ينزغنك من الشيطان } إلى { عليم } وإنما أسند النزغ إلى نزغ مبالغة، كقولك جد جده بضم دال جده، وصام صومه بضم ميم صومه. { فاسْتَعِذْ باللهِ } اعتصم به أن يدفعه { إنَّه سَميعٌ } لدعائك مطلقا، أو لاستعاذتك، أو باقوال من آذاك { عَليمٌ } بحالك، أو بما فيه صلاحك فيوفقك إليه، أو بافعال من يؤذيك فيعاقبه عليها، معينا لك عن الانتقام، ومتابعة الشيطان، واستدل ابن القاسم بالآية على أن الاستعاذة عند القراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وليس كذلك، بأن قوله إنه سميع عليم كلام آخر تعليل لأمره بالاستعاذة وبقوله قالت النكَّار، وقد روى أن جبريل نهى النبى صلى الله عليه وسلم عنه وإنما يقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما يتبادر من قوله عز وجلوإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } ولو سلمنا أن آية هذه السورة تدل على ما قال النكَّار وابن القاسم، من أن كيفية الاستعاذة ما ذكر لم نسلم ذلك عند القراءة، لأن هذه فى نزغ الشيطان. ولا دليل فى الآية، على أن الأنبياء غير معصومين، لأنه جاء النزغ على طريقة العرب فى الشك بإن الشرطية، وقد علم أنه لا ينزغه الشيطان، وإنما قال ذلك تأكيداً كما قاللئن أشركت ليحبطن عملك } وقد علم أنه لا يشرك أو تعليما للغير، أو الخطاب للإنسان مطلقا، أو لأنه ولو نزغه لا يتبعه فى نزغه، فالعصمة عن قبول الوسوسة لا عنها وهو الأظهر، وفى الحديث " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن يلم بشر، وقرينه من الملائكة يلم بخير " قالوا فأنت؟ قال " وأنا لكن أعاننى الله عليه فأسلم " بفتح الميم أى آمن بالله على اختيار عياض وهو المختار عندى، أو بضمها أى فأنجو من كيده، واختاره الخطابى فلا يأمرنى إلا بخير، وهذا دليل على ما اخترت، لأن الأمر بخير فقط إنما يترتب على الإسلام، ويتسبب عنه لا على السلامة وعنها، إلا إن جعلت الفاء تعليلية لا سببية، أى فأنجو لأنه لا يأمرنى إلا بخير. قال عياض أجمعت الأمة على عصمة النبى صلى الله عليه وسلم من الشيطان فى جسمه وخاطره ولسانه، ويبطل ادعاؤه الإجماع بما قال لعض العلماء أنه ألقى الشيطان على لسانه فى شأن الأصنام تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتها لترتجى، وتأتى قصة ذلك إن شاء الله، والخلاف فيها.