الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

{ قُلْ لا أمْلكُ لنفْسِى نَفْعا ولا ضَرًّا } أى جلب نفع ولا دفع ضر، بل أنا عبد ضعيف كسائر المماليك، وذلك انتفاء عما يختص بالربوبية من علم الغيب، كوقت الساعة، والقدرة على النفع والضر على الإطلاق { إلا ما شَاءَ اللهُ } أن أملكه وأقدر عليه من جلب أو نفع، فالاستثناء متصل باعتبار إنما سبق فى علم الله أنه يجلبه أو يدفعه بإلهام الله وتوفيقه قد ملكه، وإن أريد إلا ما شاء الله أن يكون فإنه يكون، أو إلا ما شاء الله من إلهام وتوفيق فالاستثناء منقطع. { ولَوْ كنتُ أعلمُ الغَيْب } على الإطلاق، وإنما علمت بعضه فقط وهو ما أخبرنى الله به، فلا حاجة إلى قول بعضهم إنه قال ذلك قبل أن يطلعه الله على غيب، بل لا يصح { لاسْتكثَرتُ مِنَ الخَيْر } كالمال فآخذ منه الكفاف لنفسى، وأبثه فى المسلمين حتى أغنيهم عن غيرهم، وكالصحة فأجتنب أنا والمسلمون ما يزايلها، وكالثناء الحسن فأتوصل إلى أسبابه أنا والمسلمون تقوية للدين، فأجتنب كل ما يكون لعدوى مدخلا إلى تنقيصى، وكالرأى الحسن فلا أخطأ فى تدبير، وكالنصر والسلامة فأكون أبدا غالبا لأعدائى إذا أمرت بحربهم وغير ذلك، وكاغتنام المصالح الأخروية، فأعلم ما يضعفنى عنها أو يفوتها أو يفوت أعلاها فأجتنبه مثل أن يعلم أنه إن نام بعد العشاء فلا ينتبه إلا للفجر فيترك النوم ونحو ذلك. { ومَا مسَّنِىَ السُّوءُ } عطف على جواب لو فهو مستقبل مثبت لنفى نفيه بلو، أى ولما مسنى السوء وهو فوات نفع دنيوى أحتاج إليه، أو أخروى ولحوق ضر دنيوى أو أخروى { إنْ أنا إلا نَذِيرٌ وبَشِيرٌ } تنازعا فى قوله { لقومٍ يُؤمنُونَ } ولغيرهم، ولكن اقتصر عليهم لأنهم المنتفعون بالنذارة والبشارة، وصح تسليط النذارة على المؤمنين، لأنهم يوعظون بها، يقول لهم إن فعلتم كذا عاقبكم الله بالنار، أو بكذا وكذا، وتسليط البشارة على غيرهم لأنهم يوعظون بها ترغيبا إن فعلتم كذا فلكم الجنة، وكذا وكذا، أو يقدر لنذير محذوف أى إلا نذير للكافرين، ويراد بقوم مؤمنون قوم يطلب منهم الإيمان، ويشمل من آمن ومن كفر، فتصرف النذارة لمن كفر، والبشارة لمن آمن، وكأنه قال لا أتجاوز النذارة والبشارة إلى ملك النفع والضر وعلم الغيب، بل أنا فى ذلك مثلكم. ويجوز أن يكون قوله { وما مسنى السوء } مستأنفا فيراد بالسوء الجنون بلغة هذيل كما فسر به قوله تعالىإلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } كأنه قال ولست بمجنون، بل نذير بشير، وما فسرت به الآية من العموم هو ما ظهر لى، واستحسنه ولا يشكل عليه شئ منها. وروى عن ابن عباس أن أهل مكة قالوا يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص فتشتريه قبل أن يغلوا فتربح فيه، وبالسنة المجدية فتعد لها من المخصبة، وبالأرض التى تجدب فترحل إلى أرض تخصب، فنزلت الآية، وليس المراد فى الآية فقط، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على الصحيح، ويحتمل أن يكون معنى { لاستكثرت من الخير } الأخروى متوصلا إليه بعلم الغيب لو علمته، لا من الدنيوى كما تقولون أنتم، وقال ابن جريج ومجاهد المراد بالنفع الهدى، وبالضر الضلالة، وبالغيب وقت الموت وبالخير العمل الصالح، فإنه كما يجتهد فى الصالحات لخفاء وقت الموت مخافة هجومه يجتهد لعلم وقته، لأنه يظهر ظهورا واضحاً حينئذ أن كل وقت مضى فقد انتقص من الأجل، وهذا موجود فى خفائه، لكن ظهوره دون ذلك، وقيل لو كنت أعلم الغيب لأعلمتكم بوقت قيام الساعة حتى تؤمنوا فيكثر خيرى دنيا وأخرى بذلك، وما مسنى السوء وهو قولكم لو كنت نبيا لعلمت متى تقوم.