الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }

{ أوَلَم ينْظُروا } بأعينهم نظر استدلال واعتبار أو بقلوبهم { فى مَلَكُوت السَّماوات والأرضِ } أى فى ملكه العظيم الذى هو السماوات والأرض، والإضافة للبيان، والعظم مستفاد من زيادة الواو والتاء فى ملكوت، أو الإضافة ظرفية أى فى أعظم ما ملكه فيهن { وَمَا } عطف على ملكوت، أو على السماوات أو الأرض بمعنى الذى { خَلَق اللهُ مِنْ } بيانية متعلقة بمحذوف حال من ما، أو من رابطها المحذوف { شَئٍ } وتلك الحال مؤكدة لعموم ما كأنه قيل لو نظروا فى مخلوق ما من مخلوقاته كائنا ما كان مما يقع عليه اسم الشئ، وهو فى هذه الآية كل موجود من ذات وفعل وعرض، لعرفوا به الله قال أبو العتاهية
فى كل شئ له آية تدلُّ على أنه واحد   
{ وأنْ } مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، وهى مع هذا مصدرية، ولا يجوز أن تكون هى الخفيفة الناصبة للمضارع إذا دخلت عليه هى التى مصدرية، لأنها داخلة على جامد خلافا للقاضى، والعطف على ملكوت { عَسَى } توقع بالنظر إليهم، واسمها ضمير الشأن أيضا وما بعدها خبرها، أو هى تامة فى ما بعدها فاعل { أنْ يَكونَ } اسمها أيضا ضمير الشأن وخبرها { قَدِ اقْتَرب أجَلُهم } ويجوز كون أجل اسم يكون، فيكون ضميره فى اقترب، وكونه اسم عسى فيكون ضميره فى يكون وفى اقترب، وسيأتى بحث فى ذلك، فإذا كانوا على توقع من اقتراب أجلهم وهو الموت قيل أو الساعة فمالهم لا يسارعون إلى طلب الحق، وما ينجيهم قبل حلوله، فإنه لا ينفعهم بعده نظر ولا إيمان كما قال { فَبأىِّ حَديثٍ بَعْده } أى بعد أجلهم { يُؤمنُونَ } إيمانا نافعا، أى لا حديث ينفعهم الإيمان به بعده، فانهم بعده يؤمنون بجميع الآيات، ولا ينفعهم ذلك، فالكلام متصل بما قبله، والاستفهام إنكار وتوبيخ وتعجيب، وبعده نعت حديث، أو متعلق بيؤمنون كما تعلقت به الباء، ويجوز عود الهاء لمحمد أو لأمره، ويجوز عوده للقرآن ولو لم يذكره لحضوره فى الذهن بقوله { فبأى حديث } والمعنى فبأى حديث يؤمنون بعد القرآن الذى جاء به محمد، فإنه لا أفصح من القرآن ولا من محمد، فإذا لم يؤمنوا بهما لم يكن غيرهما سببا فى إيمانهم، ولأنه لا كتاب بعد القرآن، ولا نبى بعد محمد، فلا حديث يأتيهم بعدهما من الله، فيجوز أن يكون الكلام راجعا إلى محذوف أى إذا لم يؤمنوا بالقرآن أو بمحمد فبأى حديث بعده يؤمنون.