الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }

{ ولَقَد ذَرَأنا } خلقنا ونشرنا { لجهنَّم } هذه اللام لشبه التمليك أو لام العاقبة، لأنها تتصور فيما إذا كان الفاعل لم يقصد بفعله ما يصير إليه الأمر، سواء علم مصير الأمر كما هنا، فإن الله سبحانه أوجد الخلق ليعرفوه ويعبدوه لا ليعذبهم ويرحمهم، وهو عالم بمصير فريق إلى النار، وفريق إلى الجنة، أو لم يعلم مصير الأمر كقولهفالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } فإن آل فرعون لم يلتقطوه ليكون كذلك، ولم يعلموا أنه يكون كذلك، نعم لو صح أن الفعل وهو خلق الكثير قصد به ما يصير إليه الأمر من سكون جهنم، وكان بسكونها علة لم يصح أن يكون للعاقبة كما قال بعضهم، لكن الواضح أنه قصد بخلقهم العبادة والمعرفة معهما العلة، ومصيرهم النار لعدمهما منهم، نعم يجوز أن تكون للتعليل مجازاً أو مبالغة كما تقول لكثير الأكل ما خلق إلا للأكل، ولكثير النوم ما خلق إلا للنوم وهكذا، فاليهود وغيرهم مما توغلوا وغاصوا فى الكفر صاروا كأنهم خلقوا للنار، حي لم يتأت منهم إلا أفعال أهل النار، وفعلوها باختيارهم لا باضطرار. { كَثيراً من الجنِّ والإنْسِ } ليس نصا فى أن أهل النار أكثر من أهل الجنة، لأن الكثير يطلق على النصف والثلث، كما يطلق على أكثر من النصف، بل الكثرة قد تكون نسبية فتطلق على ما هو قليل نظرا إلى ما هو أقل، وإنما الذى هو نص فى أنهم أكثر من أهل الجنة حديث التسعمائة والتسعة والتسعون إلى النار، وهى بعث النار، والواحد إلى الجنة، فيجوز تفسير الآية على ذلك بمعونة الحديث، وأجمع علماء الأمة أن أطفال المسلمين فى الجنة إلا من لا يعتد به، فإنه توقف فيهم، متمسكا بما " روى أن عائشة رضى الله عنها قالت فى صبى من الأنصار دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازته طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءًا، أو لم يدركه، فقال " إن الله خلق للجنة والنار أهلا فى أصلاب آبائهم " وأجيب بأنه قال ذلك نهيا لها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل قاطع، وبأنه قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين فى الجنة، وقولهوالذين آمنوا واتبعتهم } الخ ولو كان مكيا لكنه محتمل لأن يكون فى أطفال المسلمين، ومحتمل أن لا يكون فيمن بلغ منهم ولم يصل درجة أبيه فى العمل. وأما أطفال المشركين والمنافقين فجمهور أصحابنا على الوقف فيهم، لأن النبى صلى الله عليه وسلم وقف فيهم، والتحقيق أنهم من أهل الجنة فضلا، وليسوا بمكلفين فيدخلوا النار بعمل أو اعتقاد، ولأنهم ولدوا على الفطرة، والعهد الأول، ولأنه بعد ما توقف فيهم سأل الله فيهم فأعطاه إياهم، ولأنه رأى إبراهيم الخليل فى الجنة، وحوله أولاد المؤمنين والمشركين، فإذا كان حوله أولادهم فأولاد المنافقين أولى بأن يكونوا حوله سواء، وقال قوم من المخالفين إنهم من أهل النار، ونسبه بعضهم للأكثر وهو خطأ إذا لم يكلفوا، وقيل يختبرون يوم القيامة، باقتحام نار توقد لهم، فمن اقتحمها نجا، وهو خطأ لأنه لا تكليف فى الآخرة.

السابقالتالي
2