الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ }

{ وإذْ } عطف على إذ قبله { أخذَ ربُّكَ } أخرج { مِنْ بَنى آدمَ } فى زمانك وقبله اليهود وغيرهم، أو المراد اليهود الماضية الذين أشركوا بقتل الأنبياء، وقولهم عزير ابن الله، وغير ذلك، لأن الكلام قبل وبعد فى اليهود، والذرية ذريتهم مطلقا، وقيل ذريتهم فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم { مِنْ ظُهُورهم } بدل بعض، لأن ظهر الإنسان بعضه لا بدل اشتمال كما قال السيوطى { ذُرِّيَّاتهم } وقرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائى ذريتهم بالإفراد وفتح التاء، والمعنى أخرج من أصلابهم نسولهم فى الأوقات التى علم الله بها فى الأزل أنهم يخرجون فيها. { وأشْهَدهم عَلَى أنفُسِهِم } أظهر لهم دلائل الوحدانية والربوبية، وأوضحهما حتى شهدت بهما عقولهم، فهذا إشهاد حقيق، أو ركب فى عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بهما، حتى كأنه أشهدهم إشهادا ولقوة الإظهار والإيضاح صاروا بمنزلة من قيل لهم { ألسْتُ بربِّكُمْ } وبالمنفرد بالألوهية، ونزل شهادة عقولهم أو تركيب ما يدعوهم إلى الإقرار فيها منزلة القول فقال { قالُوا بَلَى } أى أنت ربُّنا وإلهنا وقوله { شَهدْنا } إنك ربنا وإلهنا، تأكيد لمعنى بلى، فذلك كله مجاز مركب استعارة تمثيلية، وهى أن تؤخذ أمور متعددة من المشبه، وتجمع فى الخاطر، وكذا من المشبه به، ويجعل المجموعان متشاركين فى مجموع متنزع يشملهما، وذلك فى الكلام العربى شائع كقوله سبحانه { إنما قولنا لشئ } الخ { فقال لها } إلى { طائعين } إذ قلنا إنه لا قول، ثم وقول الشاعر
وقالت الأنساع للبطن الحق قالت له ريح الصباء قرقار   
وهذا تحقيق المقام، وفسره بعضهم بل الجمهور بأنه لما خلق الله آدم أخرج من ظهره ذرية كالذر متحركة، السعداء بيض، والأشقياء سود، وروى كالخردل، وعن محمد بن كعب أنها الأرواح جعلت بصورة ذلك، وعنه صلى الله عليه وسلم " أنه أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس " وعن ابن عباس أخرجها بعد هبوطه بدهناء أرض الهند، وعنه بنعمان وهو عرفة، وقيل عرفة وما يليها، وقيل جبل وراءها. وقال السدى إن ذلك فى السماء بعد دخول الجنة، وأنه مسح صفحة ظهره اليمنى فخرج كهيئة الذر بيضا، وقال إلى الجنة برحمتى، وهم أصحاب اليمين، وبعمل أهلها يعملون، ثم على اليسرى فخرج كهيئة الذر سودا، وقال إلى النار ولا أبالى، وبعمل أهلها يعملون كما فى الحديث " إن السعيد يختم له بعمل أهل الجنة والشقى بعمل أهل النار فهم أصحاب الشمال " وأعادهم فى صلبه وقد عرفه أنهم ذريته، ولم يبق واحد منهم لم يخرج. وروى ضرب على منكبه، وفى رواية مسح بيمينه على ظهره، وكل من المسح والضرب ونحوه عبارة عن إيجاد الذرية منه فى الخارج، واليمين القدرة أو الماسح، والضارب ملك بأمر الله، وأصل الحديث رواه عمر وابن عباس رضى الله عنهم، وفسرا به الآية مع أنه ليس فى الآية ذكر آدم، ووجه بعضهم ذلك بأن الإخراج من ظهر آدم الذى هو الأصل إخراج من ظهور بنيه الذين هم الفرع، وهذا رد للآية إلى الحديث، وبعضهم بأن المخرج من ظهورهم مخرج من ظهره، لأن بنى آدم من ظهره، وهذا رد الحديث إلى الآية، وعلى كل حال فذرياتهم مفعول أخذ، وقيل بدل اشتمال من بنى آدم بدل البعض، ومفعول أخذ محذوف أى عهدا أو ميثاقا، وهذا رد للآية إلى الحديث، ولا يلزم من كون الأخذ من الذرية عدم الأخذ من الآباء، بل أخذ من الكل كما بينه الحديث، ولو لم يذكر فى الآية إلا الذرية.

السابقالتالي
2 3