الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

{ فَخَلفَ مِنْ بَعْدهم } أى من بعد اليهود الموصوفين، والمراد من بعد من تقدم منهم، ويدل على هذه الإرادة أن الكلام المذكور على العموم إلى يوم القيامة { خَلْفٌ } هو من جملة العموم السابق، ورجح بعضهم بقوله { فخلف من بعدهم خلف } قول الطبرى أن المراد بالصالحين من كان قبل بعث عيسى ثابتا على الدين، وإن قلت إذا كانت هذه الهاء شاملة لغير المؤمنين، فما فائدة الكلام؟ قلت فائدته التنبيه على فعل سوء من أفعالهم إعظاما له، وهو أخذ الرشوة، وإذا جعلنا قوله { ومنهم دون ذلك } فيمن آمن وعمل ولم يصل درجة الصالحين المذكورين، فلا إشكال أصلا، والخلف بإسكان اللام بدل سوء، قال لبيد
ذهبَ الَّذين يُعاش فى أكنافهم وبَقيتُ فى خَلفٍ كجلْد الأجرب يتحدثون مخانة وملاذة ويعاب قائلهم إن لم يشغب   
يقال ولد خلف وقوم خلف، أى أردياء، والخلف بفتح اللام بدل خير يقال ولد خلف وقوم خلف أى صالحون، وفى الحديث " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله " ذكر ذلك فى السؤالات، وأصل الخلف بالإسكان الفساد والتغيير، خلف اللين فسد، وخلف فم الصائم تغير، وذلك هو الأشهر، وقد تسكن فى المدح كقول حسان
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا لا ولنا فى طاعة الله تابع   
وليس ضرورة، وقد تفتح فى الذم قاله أبو عبيدة والزجاج، ويجوز قراءة بيت لبيد بالفتح، وكلاهما يطلق على الواحد والجمع، لأنه مصدر، وقيل جمع، والمراد به فى الآية من يأخذ الرشوة من اليهود قبل سيدنا محمد أو بعد بعثه، وقيل المراد الذين فى عصره، وقال مجاهد النصارى، وضعفه الطبرى، وقيل بدل السوء من أى ناس جاءوا مفسدين بعد صلاح من صلح من اليهود. { وَرِثُوا الكِتابَ } التوراة عمرة قبلهم يقفون على ما فيها، ولا يعملون به، وقرأ الحسن بن أى الحسن البصرى بضم الواو وتشديد الراء، فالكتاب مفعول ثان لتعديه بالتضعيف إلى اثنين، والأول الواو النائب { يأخُذونَ عَرَض هَذا الأدْنى } متاع هذا الشئ الأدنى الذى هو الدنيا وعرضها متاعها، والمراد به الرشا على الحكم، وعلى تبديل كلام الله تسهيلا على الضعفاء والعامة، وسمى متاع الدنيا عرضا لأنه لا يبقى ولا سيما الحرام كالرشوة، وفى الحديث " الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر " وحقره وخسسه بقوله { هذا الأدنى } حيث أشار إليه إشارة قرب إشارة بعد المنزلة وعلوها، ووصفه بأنه أدنى أى قريب عاجل يعقبه زوال أو دنى ساقط، والجملة صفة ثابتة لخلف، والأولى ورثوا أو حال منه أو من الواو. { ويقُولُون سيُغْفر لنا } نائب يغفر أو نائبه ضمير مستتر عائد إلى الأخذ المدلول عليه بيأخذون، و القول قول بألسنتهم، أو اعتقاد أو ظن ورجاء، وعلى الأول فإنما نطقوا بذلك رجاء وظنا أو اعتقادا، والواو عاطفة أو حالية بتقدير المبتدأ، أو قد أو بلا تقدير، وقولهم { سيغفر لنا } داخل فى جملة الذم من حيث إنهم يقولون { سيغفر لنا } وهم مصرون على ذلك العرض شديد أو الحرص عليه كما قال { وإنْ يأتِهِم عَرضٌ مثْلُه } على الارتشاء أو التبديل بعد أخذ العرض قبله وبعد قولهم سيغفر لنا { يأخُذُوه } وهذه الواو حالية، وصاحب الحال فاعل، يقول أو استئنافية، والهاء فى مثله عائدة إلى العرض المدلول عليه بقولهم { سيغفر لنا } لأن المراد يغفر لنا أخذ عرض خاص أخذناه، وهو جميع ما أخذوا، أو إلى العرض المذكور قبل، لأنه مراد به الحقيقة، فهذا الضمير إلى حصة منها.

السابقالتالي
2 3