{ وقطَّعْناهُم } فرَّقناهم { فى الأرْضِ أمماً } جماعات لا بلد إلا وفيه من اليهود طائفة قليلة أو كثيرة تحت الذمة، وذلك كسر لشوكتهم، ولا تقوم لهم راية، ولا ينفردون بمدينة أو قرية أو محلة، وأمما حال أو مفعول ثان لقطع لتضمنه معنى صير { مِنْهم الصَّلحُون } وهم من وراء الصين، منهم ومن لم يكفر بنبى أو كتاب { ومنْهُم دُونَ ذَلكَ } أى قوم ثابتون دون ذلك، فدون ظرف متعلق بمحذوف نعت لمبتدأ محذوف وهو منصوب على الاستقرار، قيل ومحله رفع لأنه نائب عن مرفوع، والإشارة إلى الصلاح أو إلى المذكور من هو الصالحون، فالذى دون ذلك هو النفاق والشرك، والمنافقون والمشركون قبل نبينا أو فى عصره أو بعده، فهم منحطون رتبة عن الصالحين، وقوله { منهم الصالحون ومنهم دون ذلك } استئناف فى معنى غير ما قبله، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة فى بيان تفريقهم أمما، فيكون معنى تفريقهم أمما جعلهم صالحا وطالحا، وعلى هذا يجوز أن تكون نعتا لأمما أو بدلا من قطعناهم أمما. واعلم أن من كان منهم مؤمنا بالأنبياء والكتب كلها فهو المراد بالصالحين، ومن كان كافرا فهو المراد بدون ذلك فى أى زمان كانوا، ولا يشترطون فى تقطيعهم أمما وجود الفريقين فى كل عصر، ولا سيما إذا فسرنا التقطيع بالتفريق فى البلاد، فلا حاجة إلى قول بعض إن المراد ما قبل عيسى لوجود المؤمن والكافر فيه، ولأن من بعده كفار لكفرهم به، ولا إلى قول بعضهم المراد بالصالحين ودون ذلك من كان منهم بعد بعث نبينا، ويجوز أن يراد بقوله { ومنهم دون ذلك } منهم قوم آمنوا وعملوا لكن لم يصلوا درجة هؤلاء. { وبلَوْناهُم بالحَسَنات } كالصحة والرزق الواسع { والسَّيئات } ضد ذلك { لعلَّم يرْجعُونَ } عن الكفر والمعاصى، فإن النعمة مرغبة فى طاعة المنعم، والشدة زاجرة عن معصيته.