الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ الَّذين يتَّبعُون } نعت أو خبر لمحذوف، أو مفعول لمحذوف على المدح، أو مبتدأ خبره بأمرهم، أو بدل من الذين بدل كل أو بعض على حذف الرابط، أى الذين يتبعون منهم { الرَّسُولَ النَّبى الأمىَّ } إلخ وهذا منهم تعام وتغافل على العمد عن اشتراط التوحيد والإيمان بالآيات، فإن المراد الآيات كلها كما هو واضح فتشمل القرآن، ومن رد حرفا أو رسولا أشرك، ويجوز أن يكون المراد بوسع الرحمة لكل شىء أنها موجودة لكل أحد، ومن أتى بالإشراك أو بالكبائر فقد أبى منها بنفسه، والمراد بسعتها بسأكتبها الخ أنى أحضرها وأوفق إليها من سبق فى علمى أنه يتقى ويؤتى الزكاة، ويؤمن بآياتنا، ويتبع الرسول، فالرحمة رحمة الآخرة، وقد فسر بعضهم الرحمة بالتوبة. وقيل إن المراد الرحمة الدنيوية والأخروية، وإن المراد بكل شىء متأهل لها وهم المؤمنون، وإنما أصابت الكافر فى الدنيا تبعا، وتتمحض الرحمة للمؤمنين فى الآخرة كما قال { فسأكتبها } الخ وهو قول مقبول، والنبوة الوحى بشرع، و الرسالة فى البشر من الله الوحى به مع الأمر بتبليغه، فالرسول أخص من النبى، وقدم مع أن الصفة العامة تقدم على الخاصة، لأن تقديمها غالب، ولأن محله ما إذا لم يكن فى تقديم الخاصة نكتة، وهى هنا الاهتمام بأمر الرسالة باعتبار المخاطبين، أو اعتبر فى جانب رسالته كونها من الله، وفى جانب نبوته كونها للعبادة فأخرت فقدمت، ولتقدم معنى النبوة قال صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب حين قال آمنت بكتابك الذى أنزلت، وبرسولك الذى أرسلت " قل وبنبيك الذي أرسلت " وليسلم من التكرار. والنبى مأخوذ من النبأ وهو الخبر، لأنه مخبر عن الله، ومخبر للخلق، وذلك أنه يخبر ولو لم يؤمر بالإخبار رغبة فى الدين، أو من النبوة وهى الرفعة، وقيل لما كان طريقا إلى رحمة الله سمى بالنبى الذى هو الطريق، يقال ساد فى النبى أى فى الطريق، ويقال أيضا النبى بتشديد الياء ولا همزة بعدها، قلبت الهمزة ياء وأدغمت فيها الياء، أو هو من النبوة بالواو، وقلبت ياء وأدغمت فيها الياء، قيل روى النهى عن هذا التخفيف بالقلب والإدغام والأمر بالهمزة. والأمى نسب إلى الأم أى هو كما خرج من أمه لا يدرى كتابة ولا قراءة ولا حسابا، وذلك إكمال لإعجازه، حيث أتى بكلام لا يساوى ولا يتغير، مع أنه لا يدرى ذلك، وما اشتغل على معلم، فلو درى بذلك لقيل كتبه عن غيره، أو قرأه من كتاب، وفى الحديثوذلك أن الأمة العربية لا يكتبون ولا يقرءون الكتابة، ثم حدث فيهم ذلك، أو نسب إلى امة العرب فإنهم لا يكتبون ولا يقرءون، ويحتمله الحديث، وقيل إلى أم القرى وهى مكة، وقرأ بعض بفتح الهمزة إلى الأم وهو القصد، فإنه صلى الله عليه وسلم مقصود فى أمر الدين، قال أبو الفتح أو إلى الأم بالضم فهو من تغيير النسب، وذلك الكلام إن كان مفعولا لموسى فيمن معه من بنى إسرائيل ومن بعده، فالمراد باتباعه اعتقاد أنه رسول سيجئ، وأن ما يقول حق، ولا يشكل على ذلك قوله سبحانه وتعالى { الَّذى يجدُونَ مكْتوباً عنْدَهم فى التَّوراة والإنْجيلِ } فإنه على التوزيع، فأهل الإنجيل يجدونه فى الإنجيل فى زمانهم، وأهل التوراة فى التوراة فكأنه قال الذين يتبعونه ممن يجده فى التوراة من أهل زمانك وممن بعد زمانك، وممن يجده فى الإنجيل إذا أنزلته بعد زمانك، فلا حاجة إلى قول بعضهم إن المراد وستجدونه فى الإنجيل وإن كان مفعولا لمن فى زمانه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ممن آمن به من بنى إسرائيل او غيرهم، وهو قول الجمهور، فالاتباع اتباعه فى الاعتقاد والعمل بشريعته، وكذا فى قول من قال إنه مقول لمن فى زمانه من بنى إسرائيل، والظاهر أنه مقول لموسى.

السابقالتالي
2 3 4 5