الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ }

{ ولمَّا رجَعَ مُوسى إلى قَوْمهِ } بنى إسرائيل من مناجات ربه { غَضْبانَ أسِفاً } حزينا عند ابن عباس والسدى، وشديد الغضب عند أبى الدرداء، قيل إذا جاءك ما تكره ممن تقدر عليه حزنت، فالغضب هنا على قومه إذا اتخذوا العجل إلهاً، والحزن من حيث إن الله فتنهم. { قالَ بئْسَما خَلفْتُمونى مِنْ بَعْدى } ما مصدرية، أى بئس خلافتكم نكرة موصوفة بخلفتمونى، واقعة على خلافة، والرابط محذوف، أى بئس خلافة خلفتمونيها وهى فاعل، أو تمييز لفاعل مستتر، والمخصوص بالذم محذوف، أى خلافتكم، والخطاب لعبدة العجل، أى بئس مقام أقمتموه من بعد انطلاقى، أو من بعد إيضاحى لكم الحق وهو التوحيد إذ عبدتموا العجل، أو لهارون ومن معه من المؤمنين، أى بئس مقام أقمتموه عنى من بعد انطلاقى أو إيضاحى، إذ لم تكفوهم عن عبادة غير الله، أو للكل وهو أفيد، واختار بعضهم الثانى لقوله تعالىاخلفنى فى قومى } وسكن غير نافع وابن كثير وأبى عمر ياء من بعدى. { أعجِلْتم أمْر ربِّكُم } منصوب على نزع الخافض، أى عن أمر ربكم، أى مأموره أو ضمن عجل معنى سبق فتعدى بنفسه، أى أسبقتموه مثل من كان مماشيا للشىء ثم سبقه وتركه وراءه، أو هو من عجل الذى بمعنى سبق لا المتعدى المضمن معنى سبق، وذلك أنهم تركوا أمر الله غير تام، وإتمامه أن يدوموا على العبادة والتوحيد، أو أن وعد الله على تمام الأربعين فسبقوه بعبادة العجل، أو قدروا موت موسى أو ضلاله عن الله، وغيروا كما تغير الأمم بعد أنبيائها، روى أن السامرى قال لهم بعد الثلاثين أو العشرين إن موسى لا يرجع وقد مات، فأمر الله دينه أو وعده لموسى، وقيل سخطه أى أعجلتم إلى سخطه. { وألْقى الألْواحَ } طرحها من شدة الغضب والحمية لدين الله، وشدة ملله منهم، كان يجتهد فى استقامتهم، وما زالوا يعوجون فتكسرت بإلقائه، فرفع من التوراة ستة أسباع ما فيها، وهى تفصيل كل شىء، وإخبار الغيب، وبقى سبع هو المواعظ والأحكام، والحلال والحرام، ونفس الألواح باق لقولهأخذ الألواح } وقيل لم تتكسر ولم يرفع منها شىء، وقد قيل إن الألواح سبعة، وفى ذلك مصداق لشيئين الأول ذم العَجَلة إذ غاب الله عليهم عجلهم أمر ربهم، أى أعاملتم أمر الله بقبيح وهو العَجَلة، وهى عمل الشىء قبل وقته، وليس قول موسىوعجلت إليك رب لترضى } دليلا على حسن العجلة كما قال بعض فإنه لا يخفى أن الوقوف على الشىء فى وقته إذا كان محدودا بوقت أولى، بل أوجب، وأما السرعة فغير مذمومة وهى عمل الشىء فى أول وقته. الثانى ما يقال من أنه ليس الخبر كالعيان، فإن موسى قد أخبره بفتنة قومه بالعجل، فلم يلق الألواح وهو مصدق بأخباره تصديقا راسخا، فلما شاهد الأمر ألقاها.

السابقالتالي
2 3