الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

{ قالَ يا مُوسَى إنِّى } وفتح الياء ابن كثير وأبو عمرو { اصْطفيتُكَ } اخترتك، وإنما يستعمل فى الخير، لا يقال اصطفاه لشر، وطاؤه عن تاء للصاد قبلها { عَلَى النَّاسِ } الذين ليسوا رسلا { بِرِسَالاتى وبكلامى } بلا واسطة ناطق به، بل مخلوقا فى الهواء، أو فى جرم، وأما الرسل فمصطفى عليهم بالكلام المذكور فقط، وأما آدم فإنه، ولو كلم له، ففى الجنة أو كلامه له بمواسطة ملك، وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه ولو كلمه لكن ليلة الإسراء، فإما فى سماء وإما فى منام، وقيل بواسطة ملك وليس ذلك تفضيلا لموسى على محمد صلى الله على سيدنا محمد وموسى وسلم، وكم من مفضول خص بما ليس لفاضل، وكثيرا ما تجد عند أحد من الرعية ما ليس للملك، فمعنى اختيار موسى بذلك اختصاصه به، بل كما تعطى عبدك العظيم شيئا عظيما فى بعض الأوقات، لم تعطه لعبدك الأعظم، بل يقال الكلام ليلة الإسراء فى سماء بلا واسطة أفضل. وعلى هذا، فالمراد بالناس من فى زمانه كما فضل قومه على عالمى زمانه، وهارون ولو كان نبيا رسولا لكن مأمور باتباع موسى، وليس أصيلا فى حمل الرسالة، ولا كليما، وقد يقال الاصطفاء بمجموع الرسالة والكلام، لكن هذا لا يكفى فإن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول مكلم، إلا إن قيل كلم بواسطة أو فى يوم أو البحث فى الكلام فى الأرض، والذى اختاره بعض أن المراد بالناس من فى زمانه. { فخُذْ ما آتيتُكَ } أخذ من يأخذ شيئا متبحبحا ومغتبطا، والمراد الرسالة والكلام والمعجزات { وكُنْ مِنَ الشَّاكِرينَ } الله على الإنعام وقرأ غير نافع وابن كثير برسالاتى بالجمع، لأنه أرسل بضروب وأرسل إليه فى أوقات، ووجه الإفراد أن المصدر صالح للكثير، وقرأ أبو رجاء برسالتى بالإفراد، وبكلمى بالجمع، وقرأ الأعمش برسالاتى وبكلمى بجمعهما. وحى عنه المهدوى وبتكليمى وهو المراد بكلامى، وذلك مجرد تعديد للنعم، وقيل تسلية له عما فاته من الرؤية وهو باطل، فإنه منكر لها، وإنما سألها ليزجر قومه بمنعها بأن يسمعوا المنع بالوحى. وقال كعب نظر موسى فى التوراة فقال يا رب إنى أجد أمة خير الأمم أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالكتاب الأول والآخر، ويسارعون فى الطاعة، ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال؟ رب اجعلهم أمتى قال هى أمة محمد، وفى رواية جعل مسألة القتال والإيمان بالكتاب الأول والآخر مسألة على حدة مجابا عنها بما ذكر من أنهم أمة محمد. وقال يا رب إنى أجد فى الألواح أمة هم الأولون، أى دخولا الجنة، والآخرون أى زمانا؟ قال هم أمة محمد، فقال يا رب إنى لأجد أمة هم الحامدون رعاة الشمس المحكمون إذا أرادوا أمرا قالوا نفعل إن شاء الله، فاجعلهم أمتى؟ قال هى أمة محمد، قال يا رب إنى أجد أمة يأكلون كفاراتهم وصدقاتهم ومال المشركين، وكان الأولون يحرقون صدقاتهم وغنائمهم بالنار، أو تنزل من السماء نار أو مثلها فتحرق غير أن موسى كان يجمع صدقات بنى إسرائيل والغنائم، ولا يجد إنسانا مملوكا إلا اشتراه ثم أعتقه، وما فضل منها يحفر له حفرة عميقة، ويلقيه فيها كى لا يرجعوا فيها وهم المستجيبون، والمستجاب لهم وهم الشافعون والمشفعون، يا رب اجعلهم أمتى؟ قال هم أمة محمد.

السابقالتالي
2