الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }

{ قَالَ } الله بواسطة ملك أو خلق كلاما { مَا منَعَك } استفهام توبيخ، ويترتب عليه إظهار عناده وكفره وكبره، وافتخاره بأصله إذ أجاب { ألا تَسْجد } لا صلة منبهة على أن السجود متأكد عليه ومتحقق، فكأنه قيل ما منعك أن تحقق السجود، وقد كان عليك حقا لازما؟ وأن الموبخ عليه ترك السجود، ويقدر حرف الجر قبل أن، أى مِنْ أن لا تسجد، أو عن لا تسجد، أو لا يقدر لأن منع قد يتعدى لاثنين، فمصدر تسجد هو الثانى، وقيل ضمن منع معنى اضطر فتقدر إلى، وتكون لا نافية، أى ما اضطرك إلى أن لا تسجد، وقيل تقدر ما منعك من السجود وأحوجك إلى أن لا تسجد، أو اضطرك إلى أن لا تسجد، أو حملك على أن لا تسجد، أو نحو ذلك، وقيل ضمن ما منعك معنى من أمرك، ويوضح زيادتها إساقطها فيما منعك أن تسجد. { إذ أمرْتُك } بالسجود متعلق بمنع أو بتسجد، والآية دليل واضح على أن الأمر للوجوب والفور ما لم تصرفه قرينة، وذلك أنه سبحانه وتعالى قطع عذره - أبعده الله - بعدم امتثال مجرد الأمر، ولولا أنه للوجوب ما قطع عذره حتى يخبره بالوجوب، إلا إن قيل أما التوبيخ فيكون لترك ما ينبغي، كما يكون لترك الواجب، وأما الطرد والإبعاد واللعنة والإهباط فى الآية وغيرها فلاستكباره، لا لمجرد عدم امتثاله، ثم تعين هذا عندى بالفاء، ولو كان السجود عليه واجبا لدليل خارج، وأيضا قد علم الله منه إباءه من السجود فى الفور والتراخى، هذا أوضح ما ظهر لى أن يجيب به من قال ليس الأمر للوجوب والفور. { قالَ أنا خَيْر منْهُ } جواب لم يطابق أسلوب السؤال، والذى يطابقه أن يقول مثلا منعنى أنى خير منه، أو المانع أنى خير منه، وعدل عن ذلك إلى ما قال ميلا عن التصريح فى الجواب إلى الكناية عنه بأن استأنف قصة أخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم، وعلى علة الفضل، فيعلم الجواب وزيادة وهى استبعاد أن يكون مثله مأموراً بالسجود لمثل آدم وإنما يكون ذلك طبقا لسؤال أيكما أخير من صاحبه، وقد قيل إنه جواب أحمق. { خَلقْتنى مِن نارٍ وخَلقْتَه مِنْ طينٍ } بيان لعلة خيريته، وذلك أن النار أقوى من الطين، وأنها مضيئة وصاعدة خفيفة متحركة، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لا أسجد، قال أنا خير منه، وأكبر سنا، وأقوى خلقا، وليس مجرد كبر السن بموجب فضلا، وخفى عنه، أبعده الله، أن النار والتراب سواء، فإنهما مخلوقان لله تعالى لا عقل لهما، قيل وهما جمادان، وإطلاق الجماد على النار بمعنى أنها غير حيوان، وإلا فهى تنمو كالنبات وتتحرك.

السابقالتالي
2