الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }

{ أولئكَ الَّذينَ هَدَى اللهُ } إلى دينه، وهم هؤلاء الأنبياء، والجملة مبتدأ وخبر { فَبهدَاهم } لا بغيره { اقْتَدِه } بهداهم متعلق باقتده قدم للحصر، ولطريق العرب فى التقديم للاهتمام، أى تمسك بهداهم واتبعه، والمراد بهداهم التوحيد وأصول الدين، وما لا يختلف فى الأمم، وليس ذلك أمراً بتقليدهم فضلا عن أن يدل ذلك على أنه أفضل، بل قد أمره الله فى القرآن بالتوحيد وأصول الدين، وما لا يختلف، فقال اتبع ما أمرتك به فإنه الذى هدينا به من قبلك، والعامل بالدليل، لا يسمى مقلداً، ولو وافق غيره، ولو كان الدليل عقلياً. بل أقول الآية دليل على فضله صلى الله عليه وسلم بأن يكون المراد بهداهم كلّ ما فيه من التوحيد وأصول الدين، وما لا يختلف، وما فيهم من الخصال الحميدة كشكر نوح وداود وسليمان ويوسف على النعم، وصبر أيوب ويوسف على البلاء، وزهد زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، وصدق إسماعيل، والمداومة على الاحتجاج كموسى وهارون بمعجزاتهما، وتضرع يونس، وإذا أمره الله بأن يتخلق بهذه الخصال فلا بدّ أن يكون قد امتثل، وإذا امتثل فقد اجتمع فيه ما فيهم، فإذا اجتمتع فيه ما فيهم، كان أفضلهم، والهاء للوقف، وليست ضميراً أثبتها نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم، عن أبى بكر فى الوصل أيضا إجراء له مجرى الوقف، وسكنوها وقفا ووصلا، وإنما أثبتوها فى الوصل لأنها مكتوبة فى الصحف، فكرهوا مخالفته وأثبتها حمزة والكسائى فى الوقف، وأسقطاها وصلا، كما هو شأن الوقف، ويريانها كهمزة الوصل تكتب ولا تقرأ إلا إذا وقف على ما قبلها، وكالمحذوف من الآخر لساكن قبله إذا كتب ألفا أو واواً أو ياء، فإنه يكتب ولا يقرأ إلا إذا وقف عليه. وجعلها ابن عامر ضميراً مفعولاً مطلقا، وأثبتها وصلا ووقفاً وأشبعها بياء أعنى مدها مداً طبعياً، وذلك فى رواية ابن ذكوان، وكسرها هشام عن ابن عامر باختلاس، والمعنى عند ابن عامر اقتد اقتداء برد الهاء إلى المصدر المعلوم من اقتد، ولا يخفى أن هذا بعيد، ولو ورد كثير رد الضمير إلى المصدر المدلول عليه بالفعل لكن يجئ من كلام العرب رد الضمير إلى المصدر المفهوم من الفعل الذى عمل فيه، بحيث يسلم، بل ورد على غير هذه الطريقة كقوله تعالىاعدلوا هو أقرب للتقوى } وكما ذكر سيبويه من كذب كان شراً له، وقد خطأ مجاهد وقال إن هذه هاء وقف لا تحرك بحال، وإنما تذكر لتظهر حركة ما قبلها. واستدل بعض بهذه الآية على أن شرع من قبلنا شرع لنا فيما لم ينسخ، وقد تقدم فى قوله تعالىأن النفس بالنفس } الكلام فى ذلك، وأن قوما من أصحابنا اختاروا أن شرع من قبلنا شرع لنا إلا ما نسخ وهو الصحيح ولو شهر خلافه، وإذا علمت أن الخلاف فى المذهب فليحمل كلام أصحابنا الدال على أنه شرع لنا على ظاهره، كقول الشيخ عامر رحمه الله فى الاستدلال على ثبوت الإجارة بقوله تعالى

السابقالتالي
2