{ ولو جَعلْناهُ مَلَكاً لجَعلْناه رجُلاً } ولو جعلنا المنزل عليهم المطلوب إنزاله ملكاً يرونه ويسمعون كلامه، يقول لهم إن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شرطوا، لجعلناه رجلا، تشبيه بليغ كزيد أسد، أى لجعلناه كرجل أى على صورة رجل من بنى آدم، لأنكم لا تقدرون أن تروا ملكا على صورة رجل، كما يتمثل جبريل للنبى صلى الله عليه وسلم رجلا، وكذا من لاقى من الملائكة، وكان جبريل عليه السلام يتمثل على صورة دحية الكلبى، وكذلك كانت الملائكة تجئ الأنبياء على صورة رجل، كما جاء الملكان داود فى صورة رجلين، وكذا أتى الملائكة إبراهيم ولوطاً، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فى صورته التى خلق عليها صعق وغشى عليه، وإذا أراد الله قوى بعض الأنبياء بقوة قدسية فرأوا الملك على صورته. ويجوز أن تكون الهاء للرسول، أى ولو كان النبى الرسول ملكا كما قالوا{ ولو شاء الله لأنزل ملائكة } وقالوا{ وعجبوا أن جاءهم منذر } وقالوا{ أبعث الله بشراً رسولاً } زعموا أن الملك أشد هيبة وقدرة على تحصيل ما أرسل به، وأكثر علماً، لجعلناه على صورة رجل، لأن القوة البشرية لا تقوى على معاينة الملك كما هو، كما روى أن رجلين صعدا جبلا يوم بدر ينظران على من تقع الدائرة فيكونان عليه، فرأى أحدهما جبريل يقول أقدم حيزوم يخاطب فرسه، فكشف عن قناع قلبه فمات مكانه، ومع ذلك أظنه أنه ما رآه على صورته، ولكن لأنه رآه نزل من السماء، وإلا لمات الآخر أيضاً. { ولَلَبَسْنا عَليْهِم ما يلْبِسُونَ } أى لخلطنا عليهم بالحكمة المذكورة، وهى أنه لا طاقة لهم على رؤية الملك كما هو ما يخلطون على أنفسهم بالجهل والعناد، ويقولون ما هذا إلا بشر مثلكم، ولو جعلناه ملكاً لكنا قد شبهنا الأمر عليهم حيث يظنونه رجلا لا ملكا فيبقون على قوله{ أبعث الله بشراً رسولا }{ ولو شاء الله لأنزل ملائكة } ونحو ذلك أو لبسهم ظنهم أهو ملك، أو ظنهم أهو بشر، أو للحق ضعفاءهم الشك، هل هو ملك كما كانوا يريدون، أعنى الأقوياء السائلين قيل فى شك فى النبوة والرسالة، أو لبس الله عليهم عقابه إياه سماه لبساً للمشاكلة، ولأنه جزاء لبسهم ولازمه ومسببه، وقرأ الزهرى بتشديد باء لبسنا، وتشديد ياء يلبسون المثناة التحتية.