الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ }

{ فَلما جنَّ عَليْه } ستره بظلامه واستعلى عليه، وطاف عليه من جهاته { الليلُ رأى كوكباً قالَ هذا ربِّى } عطف على نرى عطف تفصيل وتبيين للإراءة، وقوله { كذلك نرى } معطوف على قال إبراهيم، ويجوز عطف فلما جنّ إلخ على قال إبراهيم، فتكون جملة كذلك نرى معترضة، ورأى كوكباً جواب لما قال هذا ربى جواب سؤال كأنه قيل ماذا كان أو ماذا قال حين رآه؟ فأجابه بقوله { قال هذا ربى } ويجوز أن يكون رأى كوكباً بدل اشتمال من جن عليه الليل، لأن رؤية الكوكب من سببيات إظلام الليل، والكوب قيل هو الزهرة، وقيل المشترى، وكان قوم آزر يعبدون الكواكب والأصنام، وجمهور المشركين لا يعبدون الأصنام فى ذلك الزمان، وبديهة العقل تبع عبادتها، وأما الكواكب فعبدوها لأنهم رأوا تجدد الفصول الأربعة، وحدوث الأحوال المختلفة بسببها، والفصول تحصل بتنقل الشمس، فزعم كفار الرصد أن السعادات والنحوسات إنما هى بالاتصالات الفلكية، والمناسبات الكوكبية، فعظموا الكواكب فبعض عبدوها واسطة إلى الله، وقالوا إن الله تعالى فوض تدبير الخلق إليها فى العالم السفلى، فهى تدبره وتعبد الله، وبعض عبدوها وجحدوا الله وقالوا إنها واجبة الوجود، قديمه لا تفنى، وتدبر أمر العالم السفلى هم الدهرية. ولما رأى الفريقان أن الكواكب تغيب ومنها الشمس والقمر، اتخذوا أصناماً يعبدونها لا تغيب، ويقصدون بعبادتها عبادة الكواكب، فاتخذوا صنما للشمس من الذهب وزينوه بالأحجار المنسوبة للشمس وهى الياقوت والماس، وصنما للقمر من الفضة وهكذا، وعباد الأصنام قليل من أهل ذلك الزمان، وكثروا بعد لعنة الله عليهم، وكان أهل الهند والصين يعتقدون أن الله سبحانه جسم أبهى ما يكون فيصورونه فى أبهى صورة، ويصورون أيضا الملائكة فى هيئة بهية دون ذلك، ويعبدون تلك الصورة تقرباً إلى الله وإلى الملائكة، واعتقدوا أيضا أن الله فوض تدبير البحار إلى ملك، وتدبير الجبال إلى ملك، والغيوم والأمطار إلى ملك، والأرزاق إلى ملك، والقتال إلى ملك، فاتخذوا لكل منهما صنما يطلبون ما يناسبه منه. فلما كان قوم آزر يعبدون الأصنام والكواكب نبههم إبراهيم عليه الصلاة والسلام بطريق النظر والاستدلال على ضلالتهم تنبيهاً تنزل فيه معهم على سبيل الفرض والتقدير إذ قال الكوكب ربى، وقال القمر ربى، وقال الشمس ربى، وهو فى ذلك كله موقن أن إلهه هو الله الواحد القهار، أيقن من صغره وولادته ومن بطن أمه لأن أثبت ما ترسخ عليه الخصم إذا جريت معه فى مدعاه، وسلمت بعض تسليم حتى يغتر، وزعم بعض أن إبراهيم لم يشرك، لكن عرف أنه لا بد له من إله ونفى أن يكون النجم أو الشمس أو القمر حتى تحقق أنه الله، وذلك حين خرج من السرب.

السابقالتالي
2 3 4 5