الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ قُل أنَدْعُوا من دُون اللهِ } الآية وصح أن يكون سبب النزول دعاءهم أبا بكر للأصنام، ويكون الجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيغة نفسه وغيره، للاتحاد الذى كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، خصوصا بينه وبين الصديق أبى بكر رضى الله عنه، وتقدم استشكال أن يقال نزلت آية كذا من الأنعام فى شأن كذا لنزولها بمرة واحدة، ومعنى ندعوا نعبد. { ما لا ينْفَعنا } إن عبدناه { ولا يضرُّنا } إن لم نعبده، أو ما لا طاقة له على نفعنا أو ضرنا مطلقاً وهو الأصنام، والاستفهام توبيخ وتهديد { ونُردُّ على أعقابنا } أى نرد إلى ورائنا لأن عقبى القدم من خلفه، وهو استعارة للوقوع فى الشرك بعد الكون فى الإسلام لمن كان قبل ذلك فى الشرك، أو لم يكن، وذلك أن الإسلام والعمل به سعى إلى المراد وهو ثواب طاعة الله ورضاه، فالإعراض عنه كالرجوع إلى خلف فى القبح، وعدم الوصول إلى ما ذهب إليه، ولك أن تقول الرد على الأعقاب استعارة للوقوع فى الجهل الذى كان عليه الإنسان أولا كما قال الله جلا وعلا { ثم رددناه أسفل سافلين } فى أحد الأوجه، وعلى الوجهين فذلك استعارة مبنى على مجاز مرسل لأن الرد حقيقة فى الإيقاع فى الشئ بعد الكون فيه، والانصراف عنه، ثم استعمل فى مطلق الإيقاع فيه استعمالا للفظ المقيد فى المعنى المطلق، والجهل الذى كان عليه الإنسان يشمل شرك من كان مشركاً ثم أسلم، وعصيانه وجهله، ويشمل جهل من لم يشرك قط وعصيانه، وإن قلنا الآية جواب مطابق لمن كان على شرك ثم أسلم، ثم دعى إليه، فالرد على الأعقاب كناية للرجوع إلى الشرك والراد هو إبليس وأعوانه من الجن والإنس أو الله باختيار العبد. { بَعْد إذ هدانا الله } إلى التوحيد والطاعة { كالَّذى اسْتهوتْه الشَّياطين فى الأرض } كالرجل الذى عالجت الشياطين هوية فى الأرض، أى وقوعه فى هوية من الأرض، فالسين والتاء للطلب، فإن علاج الشئ طلب له، ويجوز أن يكون معنى استهوته عالجت وقوعه فى الأرض المهلكة بالضلالة فيها، والعطش والجوع، ففى الوجه الأول تشبيه واحد، وفى الثانى تشبيه مبنى على تشبيه استعارى، فإنه شبه الإيقاع فى أمر مهلك، والإهلاك بلا سقوط فى هوة من الأرض بالإيقاع فى الهوة، ثم شبه الصرف عن الإيمان بإيقاع الرجل فى ذلك الأمر المهلك، وفى الأرض متعلق باستهوت، وقرأ حمزة استهواه بألف مما له، والشياطين مردة الجن، ومن أثبت الغيلان منها قال أراد الغيلان. والمتبادر من الآية ثبوت أن الشياطين قد تتخيل للإنسان فى سفره فتضله باتباعها ومنكر ذلك يقول إن ذلك غير واقع، ولكنه فرض مثال، وكالذى متعلق بنرد، أو بمحذوف حال من ضمير نرد، أو بمحذوف نعت لمصدر محذوف، أى رداً ثابتاً كالذى استهوته، أى كرد الذى، أو الكاف اسم هو حال من الضمير، أو نعت للمصدر المحذوف، أى رداً مثل رد الذى استهوته، ووجه الشبه أن الذى استهوته قد كان قبل استهوائه على إقبال من أمره ومن غويه، ثم صرفته الشياطين عنه بأن أضلته فى طريقه فمات ولم يصل البلدة التى ذهب إليها.

السابقالتالي
2 3