الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

{ وذَرِ الذِينَ اتَّخذوا دينَهم لعباً ولَهواً } أى ترك مخالطتهم إلا لهم كحاجة لا بد منها، وكأمر ونهى، أو لا تبال بأفعالهم وأقوالهم فلم تضرك وبالها عليهم لا عليك، ويجوز أن يكون ذلك تهديداً لهم، وبه قال مجاهد كقوله تعالى { ذرنى ومن خلقت وحيداً } ومن قال كقتادة المعنى لا تقاتلهم على خوضهم وشركهم، قال نسخ ذلك بآية السيف، ومعنى اتخاذهم دينهم لعباً ولهواً أنه لا بد لكل أحد مكلف من دين هو دين الحق، وهؤلاء اتخذوا دينهم غير دين الحق، إذ جعلوه لعباً ولهواً، والحاصل أنهم أحبوا أن يكون لهم دين فجعلوه أمراً يلهون به عن الحق ويلعبون به، ولا ثمرة لهم منه، وهو عبادة الأصنام، وتحريم البحائر والسوائب ونحو ذلك مما مرجعه إلى التشهى والتقليد. ويجوز أن يكون المراد بدينهم دينهم الذى فرض عليهم الله تعالى، ونسب إليهم بلزومه إياهم، ومعنى اتخاذهم دين الله لعباً ولهواً استهزاءهم به، ويجوز أن يراد بالذين العيد، أى اتخذوا عيدهم لهواً ولعباً، كانوا يلهون ويلعبون فى عيدهم، ومن شأن العيد العبادة، فالمشركون كلهم أهل الكتاب وغيرهم يلهون ويلعبون فى أعيادهم، بخلاف المسلمين، فإن أعيادهم للصلاة والتكبير، وزكاة الفطر والضحايا، وذكر الله والخطبة، والاستماع لها، وحضور الجماعة، فمن فعل فى عيده لعباً ولهواً فقد تتبع سنن من قبله من أهل الكتاب، إلا من قصد برميه أو إجراء فرسه أو نحو ذلك التدرب على الجهاد، ويسمى العيد ديناً لأنه يعتاد، ومن معانى الدين العادة.
*أهذا دينه أبداً ودينى*   
ولعباً مفعول ثان، ويجوز أن يكون اتخذوا بمعنى اكتسبوا، فيكون لعباً مفعولاً لأجله، أى اكتسبوا ما هو دينهم ليلهوا به ويلعبوا، ويجلبوا مر الدنيا كالرياسه والمال، ولما لم تكن لذلك منفعة فى الآخرة كان لهواً ولعباً، أى لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون فى آيات الله، وعنه صلى الله عليه وسلم " أنا زعيم ببيتٍ فى ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً، وببيت فى وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مزاحاً، وببيت فى أعلى الجنة لمن حسن خلقه " وعنه صلى الله عليه وسلم " من جعل الهموم هما واحداً هم المعاد كفاه الله هم الدنيا، ومن تشعبت به الهموم هموم الدنيا لم يبال الله تعالى فى أى أوديتها هلك ". { وغرَّتْهم الحياةُ الدُّنيا } خدعتهم بزخرفها، فأقبلوا إليها وتركوا الآخرة، وقد أنكروها وتوهموا أن ما أعطوه فى الدنيا أعطوه لكرامتهم على الله { وذَكِّرْ بهِ } أى ذكر المشركين بالقرآن أو بدينهم المذكور فى قوله تعالى { اتخذوا دينهم } على أن المعنى الدين الذى كلفهم الله به. { أن تُبْسل نفسٌ بما كَسَبَت } فى تأويل مصدر مفعول لأجله على حذف مضاف، أى مخافة بسل النفس بما كسبته من الأعمال القبيحة والعقائد الزائفة، أو بكسبها، وهذا أولى من أن يقدر لئلا تبسل، ويجوز تقدير عسى لتضمن التذكير معنى الزجر، أى ذكرهم عن بسل النفس، أى ازجرهم عنه بالقرآن أو بالدين، ومعنى تُبْسل تسلم إلى الهلاك، أى تترك له وتخذل له، قاله الحسن وعكرمة، فإذا ذكروا انزجروا عما يوجب إسلامها إلى الهلاك، ويجوز أن يكون بمعنى تمنع عن مرادها فى الجملة وهو الخبر، فبقوتها فى يوم البعث، يقال أبسله وبسله أى خذله وتركه لسوء، أو منعه ما يجب.

السابقالتالي
2 3