الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

{ ومَا عَلى الَّذينَ يتَّقُون مِنْ حِسابِهِم مِنْ شَئٍ } ما على الذين اتقوا المعاصى والخوض شئ من حساب هؤلاء الخائضين على معاصيهم وخوضهم، قيل لما نزل { وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا } الآية قال المؤمنون إذا كنا لا نقرب المشركين ولا نسمع أقوالهم، فما يمكننا طواف ولا قضاء عبادة فى الحرم، فنزل { وما على الذين يتقون } الآية، وفى رواية عن ابن عباس لما نزل { وإذا رأيت الذين } الآية قال المسلمون كيف نقعد فى المسجد الحرام أو نطوف بالبيت وهم يخوضون أبداً؟ وفى رواية قال المسلمون إنا نخاف الإثم حين نتركهم ولا ننهاهم، فأنزل الله هذه الآية، وما على الذين يتقون لا يصح عطف ذكرى على حساب، أو على شئ إلا أن لكن لا تعطف بعد الواو، وإذا كانت الواو قبلها فهى العاطفة للجملة ولا للمفرد، وليست لكن عاطفة، وأيضا لو عطف على شئ لزم تسلط من الزيادة، على مثبت، لأن ما بعد لكن مثبت ولزم تقييده بقوله { من حسابهم } لأن من شئ مقيد به، وسواء العطف على لفظ شئ أو تقديره، إلا أن العطف على تقديره يضعف، فيكون من لا تكون زائدة فى الإثبات، وقد يجوز ذلك كله بناء على جواز زيادة من فى الإثبات. ولظهور أن من حسابهم لا يكون قيداً فى ذكرى ولو كان قيداً فى شئ. { ولكنْ ذِكْرى } ولكن عليهم ذكرى أى تذكيرهم بالنهى عن الخوض والاستهزاء، فذكرى اسم مصدر بمعنى تذكير مبتدأ خبره محذوف كما رأيت، ويجوز أن يكون مفعولا مطلقاً، أى ولكن ذكروهم ذكرى أى تذكيراً، ويجوز أن يكون خبر المحذوف، أى ولكن نهيهم تذكير لهم عن موافقة الخائضين والسكون لهم، أو ولكن نهيهم تذكير للخائضين لعلهم يتركون الخوض بالنهى عن القعود إليهم. { لعلَّهم يتَّقُون } أى لعل الخائضين يتقون الخوض بتذكيرنا إياكم على القعود إليهم عند الخوض، أو لعل الخائضين يتقون الخوض بتذكير الذين يتقون إياهم، وتركهم الخوض لعله يكون بأن يؤمنون أو يستحيوا من الذين يتقون إذا نهوهم، ويكرهوا مساءتهم، ويجوز عود الضميرين إلى الذين يتقون أى لعل الذين يتقون يزيدون التقوى أو يدومون عليها، ولا يفسخونها بمجالسة الخائضين. واختلفوا فى قوله { وما على الذين يتقون } الآية، فقيل ترخيص ونسخ للنهى عن القعود مع الخائضين بشرط النهى، وقيل إن النهى ورد أولا مطلقا، وقيده فى هذه الآية، وهو أنه يجوز القعود مع النهى، ويحتمل أن الأولى فيمن كان منظوراً إليه، فينهى وإن لم ينتهوا قام، والثانية فى غير المنظور إليه بنهى إن قدر، وإن لم ينتهوا قعد منكراً لذلك، أى ولكن ذكروهم إن قدرتم، وكذلك هذه الآية قيل لقوله تعالى

السابقالتالي
2