الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }

{ قُلْ لا أقُول لَكُم عِنْدى خَزائنُ اللهِ } جمع خزينة بمعنى مخزونة، أى ليس بيدى مقدورات الله، أو نعمه المخزونة عنده، أو جمع خزانة وهى الموضع الذى خزن فيه النعم أو غيرها، والمراد هنا النعم أو ما يوصل إليها، قالوا إن كنت رسولا من الله فاطلب منه أن يوسع رزقنا، ويزيل عنا فقرنا، وطلبوا أن تكون له جنة، أو كنز، ويحتمل أن تكون الخزائن بمعنى المقدورات نعماً أو غيرها، لقولهم أو ترقى فى السماء، ولا أدعى القدرة اللائقة بالله جل وعلا، فنزلت الآية فى ذلك، وفى قولهم إن كنت رسولا من الله فاطلب من الله تعالى، فأخبرنا بما يقع فى المستقبل من المصالح والمضار، حتى تستعد لتحصيل المصالح ودفع المضار، كما قال الله تعالى. { ولا أعْلم الغَيْبَ } إلا ما علمنى الله، فكيف أخبركم بما يستقبل من النفع والضر، وفى قولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق، وقولهم ماله يخالط الناس ويتزوج النساء كما قال الله عز وجل. { ولا أقُول لَكُم إنِّى مَلكٌ } لا يأكل ولا يدخل السوق لحاجته يقضيها منه، ولا يخالط الناس لنحو ذلك، ولا يتزوج النساء، ولا أقول لكم أقدر على ما يقدر الملائكة عليه { إنْ أتَّبع } أى اعتقادى وعملى وقولى لكم ولغيركم { إلا ما يُوحَى إلىَّ } من القرآن وسائر الوحى، ولست أدعى الألوهية لأن الإله عالم الغيب، وقادر على كل شئ، والآية يتبادر منها أنه صلى الله عليه وسلم لا يجتهد، بل يفتى بالوحى فقط، والجواب أن الحصر إضافى إذ المراد به نفى ما يقترحونه عن نفسه. { قلْ هَل يسْتَوى الأعْمَى والبَصِير } فيقولون لا يستويان، فكذلك الكافر والمؤمن، فالأعمى والبصير حقيقتان، ويجوز أن يراد بهما الكافر والمؤمن استعارة تشبيها للكافر بالأعمى، والمؤمن بالبصير، ويجوز فى وجه الحقيقة ووجه الاستعارة أن يعتبر فى الأعمى والبصير جانب المضل والمهتدى، أو جانب الجاهل والعالم، أو جانب مدعى المستحيل كالألوهية والملكية، ومدعى المستقيم كالنبوة بالمعجزات. { أفلا تتفكَّرونَ } فتدركوا الحق وتميزوه من الباطل، فلا تسموا مدعى الحق مبطلا، أو أفلا تتفكرون فتؤمنوا بالوحى، أو فتؤمنوا بالله ورسوله، وتعملوا بما فرض عليكم، أو أفلا تتفكرون فتعلموا أن الإيمان والعمل لا محيص عنهما، أو أن الإيمان بالوحى لا محيص عنه، فلو تفكرتم لم تستعيدوا دعواى، والوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إما بلسان الملك ومنه القرآن، أو بإشارة الملك كما خفض جبريل عليه السلام رأسه إلى الأرض إشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار النبوة وعدم الملك حين خير أن يكون نبياً ملكاً، أو نبيا غير ملك، وذلك خفض الرأس لذلك، لأنه تواضع، كما أن عدم الملك تواضع، وبإلقاء الملك فى قلبه خيراً أو بإلهام الله قلبه للخير، أو بالتأمل فى الوحى، فيخرج له حكم فيكون وحياً بالمعنى، بأن الله جل جلاله أقره على الحكم الذى استخرجه.