الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ }

{ قَدْ خَسِر الَّذينَ كذَّبُوا بلقاءِ الله } أى كذبوا بالبعث وخسرانهم هو فوات الجنة، أو لقاء الله البعث والحساب، وخسرانهم فوات الجنة وحصول العذاب الدائم. { حتَّى إذا جاءتْهُم السَّاعة } معنى حتى عائد إلى كذبوا بلقاء الله، أما على القول بأنها جارة لإذا، فالمعنى أنهم مصرون على التكذيب إلى أن جاءتهم ساعة الموت، أو إلى أن جاءهم يوم القيامة، والمراد أيضاً وقت الموت، لأنه من مات فقد قامت قيامته، فالميت داخل فى اليوم الآخر من حين مات، والقيام من القبور يكون فى بعض ذلك اليوم الأخير، أو سمى ساعة الموت باسم يوم البعث، لأنهُ يظهر فيها تحقيق البعث، وسمى يوم القيامة ساعة لسرعة الحساب فيه، حاسبون فيه قدر ساعة أو أقل، وأما على القول بأنها ابتدائية فإنها كفاء السببية فى الترتيب، فيكون جواب إذا مترتباً على تكذيبهم. { بَغْتَةً } حال، أى ذات بغتة أو باغتة، أو مفعول مطلق، أى مجئ بغتة أو مفعول مطلق باعتبار أنها نوع من المجئ، والبغتة الفجأة من غير أن يشعر الإنسان، فلو عام بمجئ الشئ فى وقت مخصوص فجاء فيه بسرعة لم تقل فيه جاء بغتة، والوقت الذى تقوم فيه الساعة تفجأ الناس فى ساعة لا يعلمها أحد إلا الله، وذلك أعظم على الخلق كما قال الشاعر
ولكنهم باتوا ولم أخش بغتة وأفظع شئ حين يفجأك البغت   
قال بعض العلماء لا يعرف مقدار الحياة إلا الموتى، لأنهم قد ظهرت لهم الأمور، وانكشفت لهم الحقائق، وتبدلت لم المنازل، وعلموا مقدار الأعمال الصالحات. { قالوا يا حَسْرتنا } إن كان لك وقت حضور فاحضرى، فهذا أوان حضورك، نعى الله عليهم ترك ما أحوجم تركه إلى نداء الحسرة. { على ما فرَّطْنا فِيها } ما مصدرية، أى على تفريطنا فيها، ومجرور فى هو ضمير عائد إلى الحياة الدنيا، وإن لم يجر لها ذكر لدلالة ذكر التفريط فى العمل عليها، لأن العمل زمانه الحياة الدنيا لا الآخرة، وقال الحسن البصرى الضمير عائد إلى الساعة على معنى ما فرطنا فى شأن الساعة، وشأن الساعة تقديم العمل الصالح والإيمان بها إن كانت ساعة يوم القيامة، وإن كانت ساعة الموت فلا أحد لا يؤمن بالموت، فالمراد شأنها الذى هو التقديم. وقال محمد بن عبد الله بن جرير الطبرى عائد إلى الصفة المدلول عليها بقوله خسر إذا استبدلوا الكفر بالإيمان، فكان كبيع بصفقة خاسرة، قال أبو سعيد الخدرى، عن النبى صلى الله عليه وسلم " يرى أهل النار منازلهم فى الجنة فيقولون يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " فلا مانع من عود الضمير إلى منازلهم فى الجنة المدلول عليها بذكر الساعة، فإن الإنسان يرى منزله فى الجنة إذا مات وإذا بعث، ولا يدخله فيشتد تحسره.

السابقالتالي
2