الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ }

{ وهو الله فى السَّموات وفى الأرْضِ } الضمير عائد إلى الله، على معنى العلمية، وخبره الله على معنى الوصفية، ولذا تعلق فى به أى وهو المعبود فى السموات وفى الأرض، أو هو المستحق للعبادة فى السموات وفى الأرض، أو وهو المسمى فى السموات وفى الأرض بإلهاً، ولا يجوز أن يتم الكلام عند قوله " هو الله " ويعلق فى السموات بيعلم بعده، لأنه يكون الكلام بمنزلة قولك الله الله باتحاد المبتدأ والخبر لفظاً ومعنى، بخلاف الوجه الأول، فإنهُ لو تكرر فيه تنزيلا لكن اللفظ الثانى وصف معنى بمعنى المعبود أو المستحق أو المسمى، وأما ما فى الوجه الثانى فكلاهما بمعنى الذات الواجب، اللهم إلا أن يؤل بقولك الله من قد علمتم، أو الله هو العظيم المعروف، ففى هذا التأويل فالله خبر وقوله { يعْلَمُ سرَّكم وجَهْركُم } خبر ثانٍ، ويجوز أن يكون الله بدلا من هو، وصح لوجود الاختلاف بالإظهار والإضمار، كوجوده بالأخوة، ولفظ زيد فى جاء زيد أخوك، وجملة يعلم خبر، وفى متعلقة بيعلم، وصح تعليقها به، لأن السر والجهر يعلمهما الله سبحانه هما فى السموات والأرض، فلا يمنع من ذلك كونه تعالى لا تحويه السموات والأرض ولا شئ من المخلوقات، وهذا كقولك ألقيت المال فى الدار، وإنما ألقيته من خارج الدار، ولست فيها حال الإلقاء، وكقولك رميت طائراً على شجرة، وتعلق على برميت ولست حال الرمى عليها، والأولى فى مثل رميت طائراً على شجرة أن يكون على شجرة متعلقا بمحذوف نعت لطائر، أو لو جئ بطائر معرفة، أو خصص كان على شجرة متعلقاً بمحذوف حال منه، ولا يتعلق فى بسر لأنهُ مصدر لا يسبقه معموله، نعم أجازه بعض لأن المعمول ظرف، ولا سيما أنه ليس هنا على معنى انحلاله إلى فعل، وحرف الموصول فصلا عن أن يقال يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول، ولا يتعلق بجهر لذلك على ما ذكرت فيه، لكن فيه مانع آخر وهو العاطف، ومعمول المعطوف لا يسبق العاطف. ويجوز أن يكون الله بدلا، وفى السموات خبر، ويعلم خبر ثان مفسر للاستقرار، فإن كون الله فى السموات وفى الأرض بمعنى علمه فيهما، فإن علمه سرنا وجهرنا وكسبنا، يفهم منه علمه سر ما فى السموات وجهره فهم مساواة تحقيقاً، وفهم أولوية نظراً لبادئ الرأى، ثم والله رأيت بلا مطالعة أن القاضى قال يعلم سركم وجهركم بيان وتقرير للاستقرار الذى فى قوله فى السموات، إذا جعل فى السموات خبراً، وزاد أنه قال إن الله تعالى لكمال علمه بما فى السموات والأرض كأنه فيهما، وبالجملة فإن الله وله الحمد أولاً وآخراً، ظاهراً باطناً، فتح لى فى هذا التفسير فتحاً ظاهراً واسعاً، وأرجو من الله الرحمن الرحيم القبول، ومن الجملة ما فتح لى فيه، وله الحمد على كل حال، أنه إذا أخطأ قلبى أو نسيت شيئا وفق بصرى أن يقع عليه بلا قصد منى إليه، ولا قصد درس، ولا قصد تصحيح فأصلحه، والسر ما فى القلب أو ترك به اللسان ولم تسمعه أذن صاحب اللسان ولا غيره، ولم يمكن سمعه، والجهر ما نطلق به اللسان قدر ما تسمعه أذنه أو غيره، ولو لم يكن معه إنسان آخر وسركم ما قصدتم إخفاؤه من كلام أو فعل، ولو اجتمع عليه اثنان أو أكثر، والجهر ما لم يقصد إخفاؤه.

السابقالتالي
2