الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }

{ سيقُولُ الَّذينَ أشْركوا } مشركو قريش والعرب { لو شَاءَ اللهُ } أن لا نشرك نحن وآباؤنا ولا نحرم شيئا { ما أشْرَكْنا ولا آباؤنا } شيئا بالله تعالى، وعطف آباؤنا على الضمير المرفوع المتصل لفصله بلا { ولا حَرَّمْنا } نحن وهم، فهذا الضمير لهم ولآبائهم { مِنْ شئٍ } أى شيئا كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامى. ووجه احتجاجهم اغترارهم برحمة الله بالإمهال فقالوا لو كان الله ما شاء إشراكنا وتحريمنا لم يمهلنا، بل يعجل بإهلاكنا، فالمشيئة فى هذا الوجه فى كلامهم بمعنى الإباحة، ويجوز أن يكون وجه احتجاجهم أنهم جعلوا قضاء الله إجباراً وسلبوا عن أنفسهم الاختيار، أى هو الذى قضى علينا بالإشراك والتحريم، فكيف تخرج عما قضاه علينا؟ فهم فى هذا الوجه قدرية إجبار لما أشركنا وحرمنا علمنا أن الله أجبرنا على ذلك، ولو شاء الله أن يجبرنا على ترك الإشراك والتحريم لفعل فلم نشرك ولم نحرم فلا عقاب علينا، أو إنَّا على حق لا على باطل، ولو كنا على باطل لأزالنا عنه، فهذه الآية رد على المجبرة المشركين وغير المشركين كالمعتزلة. والجواب ان الله شاء كفر الكافرين ومعصيتهم بمعنى قضاها وخلقها، وفعلوا هم باختيارهم، ولولا ذلك لما أمر ونهى بالوحى والكتب والأنبياء والرسل، وأثاب وعاقب ومدح وذم، وكلهم يقرون بذلك فى الجملة، ولو أنكر المشركون القرآن والله تعالى مريد لجميع الكائنات، وشاء لها ولا عذر لأحد فى إرادة الله تعالى ومشيئته، وإنما قدرت مفعول شرط أو من جنس الجواب، لأن ذلك هو الغالب فيها، ولم أحتج إلى تقديره بالرضا مع ذلك لما علمت من أن شاء فى كلامهم بمعنى أباح وهو نفس الرضا، أو من أنهم يثبتون المشيئة بمعنى الإجبار، والله عز وجل عاب عليهم ما زعموا من ذلك، فتحمل من عيبه إياهم على ذلك أنه لم يبح الإشراك والتحريم، أو لم يشأهما مشيئة إجبار. وبعد ما قررت الآية رأيت بعضا قدر لو شاء الله أن لا نشرك ولا نحرم مع رضاه بعدم الإشراك والتحريم، ولا حاجة لذلك، لأن ما ذكرته غنى عنه، ولا ينافى عدم إمكان تفسير المشيئة بالإباحة فى قوله تعالىولو شاء لهداكم أجمعين } تفسيرها هنا بالإباحة، لأن آية الأنعام هذه من كلامهم لا من كلامه تعالى، ولو قال قائل لو شاء الله ما فعلت كذا من المعصية والطاعة، بمعنى لو قضى عليه بذلك لم يخرج عما قضى، بل ييسر لما قضى عليه باختياره لكان مدحاً لله تعالى، وحقا واجباً، ومما يرد به عليهم أن يقال لهم إنكم تحجون وتفعلون بعض مكارم الأخلاق، وتحبون أن يمدحكم الله على ذلك ويثيبكم فى الدنيا، وتتقربون إليه بالأصنام، وتقولون تقربنا إلى الله زلفى، فإن كان ما فعلتم، من ذلك إجباراً من الله فلا مدح لكم، ولا يثيبكم فى الدنيا، كما لا يثيبكم فى الآخرة، وأنتم أنكرتموها، وإن لم يكن إجباراً منه فكيف تقولون إن الله أجبركم على الشر ولا يجبر على الخير.

السابقالتالي
2