الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

{ وجَعَلوا } أى مشركو العرب من قريش وغيرهم { للهِ ممَّا ذَرَأ } خلق { مِنَ الحَرْث } أى من ثمار الحرث فحذف المضاف، والحرث مصدر، وإضافة الثمار إلى الحرث تصح، لأن الحرث سببها وملزومها وآلتها، أو بمعنى البذر المحروث، وإضافة الثمار إليه لأنه أصله وآلته، أو بمعنى ما نبت من الأوراق والأغصان، أضاف الثمار إليه لأنها منه، وأنه آلة لها، ويدل لهذا الوجه الأخير ما روى أن أهل الجاهلية كانوا يقسمون الحرث وهو قائم على سوقه ويقولون ما ردت الخطة داخلا لأصنامهم، وما ردت خارجا لله تعالى، ففى هذه الرواية لا يحتاج لتقدير مضاف، لأنهم يجعلون النصيب من النبات كله، فما فيه من الثمار فهو لله، وما فى النصيب الآخر للأصنام، ويجوز أن يكون الحرث بمعنى الثمار بشئ يسببه أو أصله، فإذا كان بأصله فمجاز مركب، لأن الحرث بمعنى الورق والأغصان مجاز أول، ثم بمعنى الثمار مجاز ثان، ولم يقل وجعلوا لله من الحرث والأنعام، بل قال { مما ذرأ من الحرث والأنعام } ليكون أزيد فى تقبيح فعلهم إذ عمدوا إلى شئ خلقه، فجعلوا منه نصيبا يتقربون به إلى ما لا ينفع ولا يضر وهو الأصنام. { والأنْعام } الغنم والبقر والإبل أنفسها وما تنتج { نَصيباً } وليسوا يقولون يأكون حاشاه، ولكن يتصدقون به على الفقراء والضعيف، ويقطعون منه فى النائبة ويغيثون منه الملهوف، فهذا فى نفسه ليس معيبا، والمعيب إنما هو رجوعهم به إلى نصيب الأصنام، إذا احتاجوا أن يردوه إليه، وأكلهم إياه إذا احتاجوا إليه فى مجاعة، وعيب عليهم فى الآية شيئان جعل نصيب للأصنام، ووصول ما كان لله تعالى إلى نصيب أصنامهم، عاب عليهم ذلك بعد ما عاب عليهم إنكار البعث، وغير إنكارهم من القبائح، وفى الكلام حذف تقديره وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا، وجعلوا لشركائهم نصيبا أو لشركائهم نصيبا، ودل عليه قوله بعد { وهذا لشركائنا } وذكر الرواة أيضا أنهم يجعلون نصيبا لله ونصيبا لشركائهم من سائر مالهم أيضا غير الحرث والأنعام. { فقالُوا هذا } أى هذا النصيب { للهِ بزَعْمهم } بكلامهم الكاذب، أو كلامهم الفاسد لا وجه كذبه أنه نصيب لله فيما قالوا، ثم إنهم يعطون منه فى الأصنام ويأكلون منه، ووجه فساده ذلك أيضا مع أنه مقابل لنصيب الأصنام، وهذه المقابلة إشراك، وبزعمهم متعلق بقالوا، وقرأ الكسائى بضم الزاى وفيه لغة ثالثة لم يقرأ بها أحد وهو كسر الزاى. { وهَذا لشُركائِنا } أى وهذا النصيب الآخر لشركائنا، أى للأصنام التى هى شركاؤنا فى أموالنا، فالشركاء شركاء المال لا شركاء عبادة الله، فهو من الشركة، وفيه وجهان أحدهما أن تعتبر أنهم أشركوا الأصنام لأنفسهم، أى وهذا للأصنام الذين أشركناهم، فنا فاعل من حيث المعنى.

السابقالتالي
2 3