الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ }

{ ذلك } المذكور من بعث الرسل مع عقاب من لم يتبعهم { أنْ لَم يكُن ربُّكَ مُهلك القُوى بظُلمٍ } أن مصدرية مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، والجملة بعدها خبرها ويقدر قبلها لام التعليل، ويعلق بمحذوف خبر لمبتدأ الذى هو لفظ ذلك، أى ذلك ثابت لأنه لم يكن ربك مهلك أهل القوى بظلم لا يهلكهم بإرسال رسل إليهم ولو أهلكهم بدون إرسالهم لكن ظلماً والله منزه عن الظلم لا يظلم، ولا يجوز فى صفته، وكذلك لو اتبعوا الرسل وأهلكهم مع ذلك لكان ذلك ظلما حاشاه، ويجوز كون ذلك خبراً لمحذوف، أى الأمر ذلك وإن لم يكن بدل من فيكن، فلا تقدر اللام والباء متعلق بمهلك لا يهلكهم بظلم منه لهم، أو بمحذوف حال من ربك أو من المستتر فى مهلك أو من القرى، ملتبسا بظلم منه أو ملتبسة بظلم واقع عليها منه تعالى، وهى للإلصاق المجاز أو بمعنى مع. { وأهْلها غَافلُون } عن الشريعة خالون منها لعدم إرسال الرسل، والجملة حال أيضا، وصاحبها صاحب الحال الأول، وهى من حيث المعنى مؤكدة، لأن إهلاكهم بظلم هو إهلاكهم حال خلوهم من الرسالة، وإهلاكهم حال خلوم هو الظلم المذكور، وذلك أن تفاصيل الشريعة لا تدرك إلا بالرسل، بخلاف معرفة الله، فإن العقاب على تركها ولو بلا إرسال للرسل، وإذا جعلنا بظلم حالا جاز كون الجملة حالا من المستكن فيه، وأنت خبير أن الظلم فى الآية مسند على طريق النفى إلى الله تعالى وهو قول الفراء، ويجوز أن يكون المراد ظلما منهم وهو ذنوبهم، وهو قول الجمهور فتتعلق بمهلك لا غيره، فكون الباء للسببية فالمعنى لم يكن ربك مهلك أهل القرى بسبب ظلمهم، أى ذنوبهم، والحال أن أهلها غافلون عن الشريعة، خالون عنها لعدم الإرسال إليهم. وعلى هذا فهذه الجملة حال غير مؤكدة، وأنت خبير بتقدير المضاف، أى مهلك أهل القرى، ولما حذف لم يقل وهم غافلون، ويجوز أن لا يقدر بأن يراد بإهلاك القرى تعطيلها وتخريبها، ويدل هذا على إهلاك أهلها أيضا، لأن خرابها بذهاب أهلها، ولا أعرف أنّ أنْ خفيفة مصدرية لا اسم لها ولا خبرها قبل لم وغيرها مما بعدها فيه مخففة مصدرية، وهنا أجاز القاضى كونها مصدرية خفيفة لا اسم لها ولا خبر، وأنها التى تدخل على المضارع وتنصبه، لم تنصب هنا لأنها لم تدخل عليه كما لا نصب لها إذا دخلت على الماضى نحو إن كان ذا حال، فعلى هذا يكون المعنى لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم، وعلى أنها مخففة يكون المعنى ذلك لكون الشأن عدم كون ربك مهلك القوى بظلم.