الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }

{ يا مَعْشر الجنِّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكُم } رسل من الإنس إلى الإنس تسمع من الملك، ورسل إلى الجن من الجن يرسلها إليهم بأمر الله، رسول الإنس يسمعون من رسول الإنس، وليس ذلك جمعاً بين الحقيقة والمجاز، لأن لفظ الرسول موضوع لرسول الله ورسول غيره، وهاهنا تذكرت قوله تعالى فى رسل عيسى عليه السلامإنا إليكم مرسلون } { إنا لمرسلون } يتبع { اتبعوا المرسلين } فى قول من يقول إنهم رسل عيسى لا رسل الله، وقد أرسل رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الجن إلى الجن رسلا منهم وقال الله فيهمولَّوا إلى قومهم منذرين } وإنما فسرت بذلك الآية لأن الأنبياء كلهم من الإنس، وأما الجن فتسمع من رسل الإنس ومن أممهم، فالرسل فى الآية رسل من الإنس ورسل من الجن، لكن رسل الجن ليست مرسلة من الله، بل مرسلة من رسله، ثم رأيته عن ابن عباس، وفى الآية تأويل آخر هو أن الرسل فى الآية رسل الإنس، وأما الجن فتسمع منهم ومن أممهم، وعليه فنقوله { منكم } أريد به المجموع لا جمع الفريقين، وليس المراد من هذا الفريق ومن هذا الفريق، فالرسل من الإنس فقط، وقيل منكم خطاباً للجن معهم لاستوائهم فى التكليف بما يجئ به الوحى، وجمع الخطاب لهم فى قوله { يا معشر } وقوله { يأتكم } كما شهر فى قولهيخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } أى منهما لم يعدهما لكن من أحدهما وهو المالح لا منهما جميعاً. وقال الضحاك رسل الجن من الجن يأتيها الوحى من الله، كما أن رسل الإنس من الإنس يأتيها الوحى من الله متمسكاً بظاهر الآية وبقوله تعالىوإن من أمة إلا خلا فيها نذير } وقوله تعالىولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلا } وقوله تعالىوما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } وجه الدلالة بالآيتين ظاهر لكن من تأويل الأولى، وأما الثانية فلا يتعين أن يكون النذير منهم، بل نظيرهم من الإنس رسول ينذرهم ويرسل إليهم، هو منذراً منهم، كما ذكر الإنذار مثل هذا وأريد به الإنذار بإرسال رسول الإنس رسولا منهم إليهم، إذ قال الله جل وعلاوإذ صرفنا إليك } الآية وأيضاً إذا كان فى أمة رجل مسلم أى يعظ ويذكر الأحكام والجن تسمع منه وتحضر مجلسه، فهو نذير الإنس خلاف الإنس والجن. وجه الدلالة بقوله { ولو جعلنا } وقولهوما أرسلنا من رسول } لأن الحكمة فى جعل الرسل من الإنس للإنس، وجعلهم بلغة قومهم أن يتمكنوا من مواجهتهم ومن فهم كلامهم، ويأنسوا بهم، فكذا الرسول من الجن للجن أحق أن يتأسوا به، وقال الضحاك ومن تبعه يحتمل أن يكون جاء بعد الإجماع على أن لا رسول من الجن، فلا يعتد به، ويحتمل انعقاد الإجماع بعده فبلغه، وهذا كله بعد وجود الإنس، وأما من زعم أن الجن قد عمرت الأرض قبل آدم، وأن إبليس والعياذ بالله ذرية منهم لا أولهم فلا يصح عندنا معشر الأباضية، وعلى تقدير صحته فرسلهم منهم قطعاً قبل آدم، وأجمعت الأمة أن رسول الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم مرسل إلى الثقلين.

السابقالتالي
2