الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }

{ وَيومَ يحْشرهم جميعاً } مفعول لمحذوف، أى واذكر يوم يحشرهم، ويقدر القول حالا ناصباً لقوله { يا مَعْشر الجنِّ قد اسْتكثرتُم مِن الإنسِ } وصاحب الحال المستكن فى نحشرهم، أى واذكر يوم نحشرهم قائلين يا معشر الجن، والحال مقدرة أن يريد بالحشر البعث من القبر، وأن يريد استكمالهم فى الموقف بعد البعث من القبر، فهى مقارنة، ويجوز أن يكون استكمالهم فى الموقف بعد البعث من القبر، فهى مقارنة، ويجوز أن يكون يوم ظرف لنقول، ناصباً لقوله { يا معشر } إلخ أى ونقول يوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن الخ، وهذا قول الزجاج، إلا أنه يقدر القول مبنياً للمفعول مؤخراً كهذا، ويوم نحشرهم جميعا يقال يا معشر الجن، والظاهر أن هذا المبنى للمفعول فاعله غير الله، أى ويقول الملك، لأنه لو كان الله لقدر نقول فقيل إن الله جل وعلا لا يكلم المشركين بنفسه، ولا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم. والحق أن الله منزه عن التلفظ لمؤمن وكافر، والمتلفظ على كل حال هو الملك، سواء قدرنا قائلين، أو يقال ثم رأيت ما يدل بما ذكرته فى الكشاف إذ علقه بقول مؤخر كالزجاج، لكن الله إذ قال أو يوم نحشرهم، قلنا يا معشر الجن، وأجاز وجهاً آخر هو أن يقدر قول معطوف على يحشر ناصب لـ { يا معشر } الخ، يعلق اليوم بمحذوف مقدر بعد النداء، حذف للتهويل، أى ويوم نحشرهم، وقلنا يا معشر الجن إلخ كان ما لا يوصف لقضائه، ولك وجه آخر أن يقدر يا معشر الجن الخ نائباً عن فاعل حال مقدر، أى واذكر يوم يحشرهم مقولا لهم يا معشر، فيكون صاحب الحال الهاء، والظاهر مما قرب عود الهاء إلى المجرمين والمؤمنين جميعاً لعمومهم فى قولهفمن يرد الله أن يهديه } ومن يرد أن يضله } ويجوز عودها إلى كفار الإنس والجن فى قوله { ليوحون إلى أوليائهم } قيل تعود إلى كل ما يبعث من الجن والإنس والدواب والطير والحوت وغير ذلك، ولو كان الخطاب بالنداء للثقلين فقط والمحتمل لعله المعشر الجماعة التى ضبطهم أمر واحد كالمعاشرة والمخالطة، أو دين واحد كقوله صلى الله عليه وسلم " نحن معاشر الأنبياء " أو غير ذلك. والمراد بمعشر الجن الكفار منهم، ولذلك فسر بعضهم الجن بالشياطين، ولا مانع من إرادة المجموع الجن كلهم، لكن الكلام كل لا كلية لأنهم ليسوا كلهم فيهم ما ذكر فيهم من السوء بعد، وقرأ عاصم فى رواية حفص عنه ويعقوب فى وراية روح عنه ويوم يحشرهم بالتحتية برد الضمير المستتقر إلى رب فى قوله تعالى { عند ربهم }. { قَدِ اسْتكثرتُم مِنَ الإنسِ } قال مجاهد والحسن والكلبى أى من إغواء الإنس وإضلالهم بالوسوسة، ولا قدرة لهم على الجبر، والسين والتاء للعلاج والمبالغة والطلب، أى طولتم كثرة إغواء إبليس الإنس ومنى الابتداء وذلك فى الدنيا، ويجوز أن يكون المعنى حاولتم أن يكثر عددكم وأتباعكم، وأخذتم الكثرة من الإنس بأن وسوستموهم فاتبعوكم فى الدنيا فحشروا معكم اليوم، وهذا الاستكثار فى الدنيا ظهرت نتيجته فى الآخرة إذ حشروا معهم، وذلك تبكيت لهم وتوبيخ على إضلال الإنس تضمن توبيخاً وتبكيتاً للإنس التابعين، وليس كثرة العدد قصداً للجن فى الآخرة، ويجوز أن يقصدوا وجودها فى الدنيا، كما روى أن عظماء الجن الذين يعوذ بهم الإنس فى أسفارهم يعجبون بذلك، ويقولون ملكنا للإنس والجن، ولما حصل تبكيت الإنس التابعين لهم حكى الله جل وعلا جواب الإنس بقوله { وقال أولياؤهم مِنَ الإنس } أى الذين أطاعوا الشياطين من الإنس { ربَّنا اسْتمتعَ } انتفع { بعضُنا ببعْضٍ } بعض الإنس ببعض الجن، وبعض الجن ببعض الإنس، فانتفاع الإنس بالجن بكون الجن يدلونهم على أشياء خفية على ألسنة الكهان وغيرهم، وعلى الشهوات وما يوصل إليها، وإجارتهم اذ استجاروهم كقولهم أعوذ بعظيم هذا الوادى، ويعينونهم فى أمر السحر وانتفاع الجن بالإنس تعاظمهم باستجارة الإنس فإنهم يرون استجارة الإنس شرفاً لهم، وطاعة الإنس لهم فيما يأمرونهم به، وتقربهم إليهم بالذبائح وغيرها، ولا يضعف ذكر الاستجارة فى الانتفاع فله من يستجير بهم، لأن بعضا ينتفع بالاستجارة، وبعضا بغيره، وإنما يضعف نقلته قول من فسر الانتفاع فى الآية بها فقط، بأن قال انتفاع الجن تعاظمهم باعتراف الإنس لهم بالسيادة وطلب الإجارة، وانتفاع الإنس انتفاعهم بإجارة الجن وهو قول الكلبى، وأصله من قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4