الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }

{ وكَذلكَ } كما جعلنا فى مكة أكابر مجرميها ليمكروا فيها، كذلك { جَعَلنا فى كلِّ قريةٍ أكابر مُجْرميها ليمكُروا فيها } فى كل قرية مفعول ثان، وأكابر مفعول أول مضاف لمجرميها، وتقديم المفعول الثانى هنا واجب ليعود إليه الضمير للمجرمين من مجرميها، وإلا عاد الضمير المتأخر لفظاً ورتبة، لا يصح أن يجعل مجرميها مفعولا أول وأكابر مفعولا ثانيا، لأن أكابر جمع أكبر، واسم التفضيل يلزم الإفراد والتذكير إذا لم يضف أو أضيف لنكرة، وأجاز بعضهم هذا الإعراب، وعلق فى كل يجعلنا، وأجاز هذا البعض أن يكون فى كل قرية مفعولا ثانيا وأكابر مفعول أول ومجرميها بدل أكابر، وهذا لا يجوز كالذى قبله للزوم جمع اسم التفضيل فيه مع عدم إضافته، إلا أن يقال هو خارج من باب التفضيل، على أن يكون أكبر بمعنى كبير. وقرئ أكبر مجرميها، فحينئذ يجوز تلك الأوجه كلها لا فى إفراده لأنه إذا أضيف لمعرفة جاز الإفراد والمطابقة، ويجوز فى القراءتين أن يكون أكابر أو أكبر حالا من مجرميها، أو من ضمير الاستقراء فى قوله { فى كل قرية } ويجوز جعل الجعل بمعنى التمكين، فيكون له مفعول واحد هو أكابر أو أكبر مضاف لمجرميها، أو هو مجرميها، وأكابر وأكبر حال من مجرميها، أو هو أكابر على التأويل بكبيرين أو أكبر، ومجرمى بدل وإذا لم تجعل فى كل مفعولا ثانيا كان متعلقاً بجعلنا، سواء بمعنى صيرنا أو بمعنى مكنا. { ليمْكُروا فيها } يصدوا فيها الناس عن الدين باحتيال وخدع، ويفسد فيها بنميمة وغيبة وبيمين كاذبة، وتزويج الباطل، والكذب، والضعفاء، لا يقدرون على المكر والغدر، ولذلك جعل المجرمين أكابر فيها، وذلك ابتلاء كما خلق إبليس، وعن مجاهد معنى مكرهم أنهم أجلسوا على كل طريق من طريق مكة أربعة نفر يقولون محمد كاهن، محمد ساخر، محمد مجنون، محمد علمه بشر، ونحو ذلك ليصدوا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك عادة فى أقوام الأنبياء، وكثرة المال والجاه يحملان الإنسان على حفظهما، فكانوا يتمنونها ويحافظون عليهما بأنواع الحيل والغدر. { وما يمْكُرونَ إلاَّ بأنفُسهِم } لأن عاقبة مكرهم دائرة عليهم بعد دنيا وأخرى { وما يشْعُرونَ } أن دائرته عليهم، قيل لما قال أبو جهل زاحمنا بنو عبد مناف فى الشرف، حتى إذا صرنا نحن وهم كفرسى رهان قالوا منَّا نبى يوحى إليه، والله لا نؤمن به إلا أن يأتينا وحى كما يأتيه، وقال الوليد بن المغيرة للنبى صلى الله عليه وسلم لو كانت النبوة حقا لكنت أنا أولى بها منك، لأنى أكبر منك سناً، وأكثر منك مالا، واستحب كل رئيس من رؤساء الكفار النبوة لنفسه، أما ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده كما قال مقاتل أراد كل واحد منهم أن يخص بالرسالة والوحى، وخرج عليه قوله تعالىبل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشَّرة } عاب الله تعالى عليهم بأن أنزل فى جملة الأنعام قوله تعالى