الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

{ وأقْسمُوا باللهِ جَهْد أيمانِهِم } أوكدها، وهو أن يحلفوا بالله كما قال الكلبى ومقاتل، تقدم إعرابه فى المائدة والضمير لكفار قريش. { لئنْ جاءتْهُم آيةٌ } تدرك بالحواس وتشابه آيات الأمم السابقة كالمائدة والناقة، وحضور ملائكة يشهدون، وإحياء ميت كذلك، فالتنكير للتعظيم، استحقروا ما جاءهم به من الآيات، أو للوحدة زعموا إنما جاءهم به ليس آيات. { ليُؤْمننَّ بها } يصدقن بها، " قال مشركو قريش إنك يا محمد تخبرنا بمعجزات موسى وعيسى وغيرهما، فلو جئت بمثل ما جاءوا لصدقناك، فقال صلى الله عليه وسلم " ما شئتم " فقالوا صير لنا الصفا ذهباً، وأحيى بعض موتانا الأولين، وأحضر بعض الملائكة، فيخبرنا من أحييت ومن حضر الملائكة أنك على حق، قال " إن فعلت أفتصدقون؟ " قالوا نعم، والله لنتبعنك أجمعون، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أن يفعل ذلك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو أن يجعل الصفا ذهباً، فجاءه جبريل فقال ما شئت إن شئت أصبح ذهباً، فإن لم يصدقوك عذبهم الله عن آخرهم كما فعل بالأمم المقترحة، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم، فقال صلى الله عليه وسلم " بل يتوب تائبهم " فنزل { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمن بها } ". { قُلْ إنما الآيات عِنْد الله } لا عندى، فهو الذى يجئ بها إذا شاء، فهو القادر عليها، ولا قدرة لى عليها، فكيف تطلبون أن أجئ بها على اقتراحكم، كأنها مفوضة إلىَّ، وإنما ينزلها الله على مقتضى الحكمة، والآية قابلة لهذا التفسير الذى عمت فائدته، وهو أولى، وجعل ذلك فى الكشاف وجهين الأول أن الله قادر عليها، لكن لا ينزلها إلى على موجب الحكمة يعنى فكيف أجيئكم بها؟ ولا حكمة فى المجئ بها، فلا تتيسر، إذ لو كانت الحكمة فيها لجاءت ولو بلا سؤال منكم، ولا دعاء منى. الثانى إنما الآية عند الله لا عندى، فكيف أجئ بما ليس عندى. { وما يُشْعركم أنها إذا جَاءت لا يُؤْمنُونَ } الاستفهام إنكار وتوبيخ، أى لستم تدرون أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها، ولو دريتم أنهم لا يؤمنون بها لم تتمنوا أن تجئ؟ لأنكم تتمنون أن يجئ ليؤمنوا، وقد علمتم أن الأمم المقترحة تهلك إذا كذبت، هذا ما ظهر، والخطاب للمؤمنين، وهو قول الفراء والجمهور، وما ذكرته من تفسير ما الاستفهامية بالنفى لا يلزم منه بقاء الفعل بلا فاعل، كما قد يتوهم فإنك تقول لمن يدعى إن للرجل أقام من قام، تريد أنه إن قام رجل فأخبرنى به من هو، ولا قائم يخبرنى به. والحاصل أنه كما لا يبقى الفعل بلا فاعل إذا جعلت للاستفهام لا يبقى بلا فاعل إذا جعلت للنفى، وداعيك لذلك أنك تراها كحرف النفى فقط، فلا يبقى مرجع لضمير يشعر إليها، ويلزمك أن تقول إنها إذا كانت للاستفهام أيضا كانت كالهمزة فقط، فلا يبقى مرجع، وليس كذلك، بل معانى الحروف التى تتضمنها الأسماء معان زائدة على معانى الذوات المدلول عليها بتلك الأسماء، فمدلول ما مثلا مطلق الشئ، وزيد عليه معنى الهمزة الاستفهامية، ولم أر أحداً توهم ذلك التوهم، بل رأيت بعضاً قال ما ليست استفهامية، بل حرف نفى، فحينئذ يتكلف للفعل فاعل فقيل هو ضمير عائد إلى الله تعالى، والأصل ترك التكليف ولا سيما ما يعد منه، بل لا يصح هذا، لأن الله قد أعلمه بأن المشركين لا يؤمنون، وهذا إنما يصح فى مخصوصين من الكفار.

السابقالتالي
2