الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ ولا تسبُّوا الَّذينَ يدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ } النهى للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وواو يدعون من مشركين، ومعناه يعبدون أو طلبون منهم حوائجهم، والذين الأصنام، وإنما قال فيهم الذين مع أنهم ليسوا بعقلاء، لأنها عندهم بمنزلة العقلاء. { فَيسبُّوا اللهَ عدواً بغيرِ علمٍ } النصب فى جواب النهى بعد فاء السببية، نهاهم أن يسبوا الأصنام لأن سبها سبب لسب المشركين الله عدواً أى تجاوزاً إلى وصفه تعالى بالباطل بغير علم، بما يجب وصف الله به، فإن سبَّها طاعة، لكن لما أدى إلى معصية وجب تركه، ونهى عنه، فذلك نهى عن سب الله، وكذا كل طاعة أدت إلى معصية، فتخرج أن يكون طاعة، فيجب النهى عنها من حيث إنها تؤدى إلى معصية، فالنهى عن المنكر إذا كان يؤدى إلى معصية وجب تركه، وكان معصية، وكذا لو استحق الواحد اللعنة، وكان لو لعنته للعن ابنه أباك، فأنت تقصد بلعنه طاعة لم يجز لك، وقد كان يكفيك لعنه سراً، أو فى غير ذلك الوقت، أو كفى ما سبق من اللعن. وأما ما لا يكون سبباً لمعصية من الطاعات، فلا يترك لأجلها، ولما ترك محمد بن سيرين صلاة الجنازة لما يحضرها من النساء، فرجع قال له الحسن لو تركنا الطاعة لأجل المعصية لأسرع ذلك فى ديننا، فأما أن يكون تخييلا لابن سيرين أن ذلك مثل الطاعة تسببت لمعصية فتركها، فنبهه الحسن أن هذا ليس كذلك، لأن صلاة الجنازة ليس سببا لعصيانهن، لأنهن يحضرن الجنازة، ولو لم تحضر الرجال، وإما أن يكون اختار الحوطة والنجاة عن الغنيمة. وقد اختلف اختيار المؤمنين فى طاعة يخاف عليها من معصية، فبعض يختار السلامة ويطيع بغيرها، وبعض يختار اغتنامها مع التحرز عن مواقعة المعصية، وأظن أن هذا مرمى ابن سيرين، والذى عندى اختيار الطاعة والتحرز عن المعصية والنهى كحضور جنازة فيها نائحة تنهى ولا تنتهى إلا المنظور إليه، فلعل الترك له أحوط لئلا يقتدى به مقتد غير عالم بمخرجه، وذلك فى غير الفرض الذى لا يحتمل التأخير والبدل، وأما هذا الفرض فلا يترك، ولو يؤدى لمعصية كقتال المشركين المؤدى إلى قتالهم للمؤمنين وسبهم، بخلاف سب الأصنام فإنه ليس واجباً، وإنما الواجب النهى عن عبادتها، فكانوا يسبونها فيسبّ المشركون الله تعالى غضبا، لا مع أنهم يقرون به تعالى، كما ترى موحدا يغضب فيلغط بالشرك، فنهاهم الله عن سبها. وعن ابن عباس لما نزلإنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } قال المشركون يا محمد لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون ربك، فنزلت الآية فى الأنعام لذلك، أى نزلت فى جملة الأنعام لذلك بمرة، ولا بترك القرآن لأجل سبهم، ولكن إذا كانت قراءته بحضرتهم سبباً لسب الله لم يقرأ بحضرتهم إلا الإبلاغ والإنذار والنهى، وقيل إذا لم ترد بقراءته سبها قرأته بحضرتهم ولا بأس، ولو صرح بالسب، وقيل لا تقيسوا على ما ورد من السب فى القرآن، فتسبوا من عندكم، وأما ما فى القرآن فيقرأ ولو سباً ككونها حصب جهنم، ولا تضر ولا تنفع.

السابقالتالي
2 3