الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }

{ قَدْ جَاءكُم بصَائر مِنْ ربِّكُم } آيات دلائل على وحدانية الله تعالى وقدرته وتنزهه، عن أن يرى، وعن صفات النقص كلها، وعظمت دلالتها حتى صارت كأنها عيون، أو نور العين، أو نور القلب، وذلك استعارة، أو لما كانت سببا ببصيرة القلب سميت بصائر، فمن عرفها كان له فى القلب بصيرة يعرف بها الهدى من الضلال، ومن ربكم متعلق بجاء، ومن للابتداء أو نعت لبصائر. { فَمَن أبْصَر } الحق وآمن به { فلنَفْسه } فإبصاره لنفسه أو فلنفسه أبصر { ومَنْ عَمَى } عنه لإعراضه وعدم تدبره { فَعَليها } أى فعماؤه على نفسه، يكون وباله على نفسه لا يعاقب عليه غيره، أو يقدر فوباله عليها، وإن قدرت فعليها عمى بلفظ الفعل الماضى، ورد عليه أن عمى لا يتعدى بعلى فيتكلف له أنه جئ للضرر، وإنما صح أن قدر فلنفسه أبصر، وإن يقدر فعلى نفسه، عمى، من أن عمى وأبصر فعلان متصرفان مجردان صالحان لأن يكونا شرطا، فلا يقرنان بالفاء فى جواب الشرط، لأنهما لم يذكرا ولو ذكر القرآن الجواب بالفاء أيضا، لأن الفاء لم تلهما، بل تلت معموله وهذا على أن معمول الشرط لا يلى الشرط. وإذا أوهم شئ أنه تلاه قدر له عامل قبله يكون شرطا فكذا هنا لا يصح شرطا لتقدم معموله عليه، ومن قال يليه قال لا تثبت الفاء لو ذكر الفعل، وإن لم يذكر فمن أين يكون الربط، ويعلم أن الجار والمجرور من جملة الجواب لو لم تكن الفاء، ولولا الفاء لتوهم أنهما من جملة الشرط، هذا تحقيق المقام إن شاء الله فاحفظه، لعلك لا تجده فى غير هذا الكتاب، ومنع أبو حيان الفاء فى مثل ذلك، وأجازها غيره، والتحقيق ما ذكرت، والمانع لا يقدر فى الآية الفعل، ويقوى من جهة أن المقدر حينئذ مفرد لا جملة، وأن الجار والمجرور حينئذ عمدة. { وما أنا عَليْكم بحَفيظٍ } يحفظ أعمالكم للجزاء عليها، بل أنا منذر، والحفيظ الله تعالى أو لا أدخلكم فى الإيمان قهراً أو لا أدفع عنكم ما أراد الله بكم من عذاب، فهذا كلام أمر الله تعالى رسوله أن يقوله عن نفسه، أى قل وما أنا عليكم بحفيظ فى زف القول، لكن الظهور قصده يتوهم المتوهم أنه معلوم المعنى بلا تقدير، وليس كذلك ومنشئ القصيدة على لسان غيره لا يقدر القول، ولكن يجرى على نية التقدير، ولو اشتدت غفلته عنه، وليست الآية من باب إنشاء القصيدة، لأنها من أول على لسان الغير، والآية من باب ذكر المتكلم كلاما يسند إليه ثم شروعه فيما لا يسند له. وأما قوله { قد جاءكم بصائر من ربكم } إلى { فعليها } فكلام من الله، ويجوز تقدير القول له ولما بعده إلى قوله { بحفيظ } ولا حصر فى قوله { وما أنا عليكم بحفيظ } وإلا كان المعنى أنا لست وحدى حفيظاً، أو لم أقتصر على الحفظ، وليس ذلك مراداً إلا إن أورد على فرض توهم من توهم ذلك، ولا يمنع عدم الحصر فى ذلك أن تقدر الحافظ الله، أو الله هو الحافظ بصيغة الحصر، ومعنى الآية باق ولو مع نزول آية القتال، فلا نسخ فيها.