الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }

{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً } تمييز لقوله أشد { لِّلَّذِينَ آمَنُوا } نعت لعداوة أو متعلق به. { اليَهُودَ } مفعول ثان. { وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } عطف على اليهود، قرن الله جل وعلا اليهود بالمشركين فى شدة عداوة المؤمنين، كأنه لم يكن لهم كتاب من الله لتوغلهم فى الكفر، واتباع الهوى، وتكذيب الأنبياء، وقتلهم وتشبثهم بالقليل، ومن ديانتهم وجود ايصال الشر الى من استحل السبت أو خالف دينهم بأى وجه يصلون اليه كالقتل، وأخذ المال، والمكر والذم باللسان، وفيهم الحرص الشديد على الدنيا والرياسة. { وَلَتَجِدَنَّ أقْرَبَهُم مَوَدَّةً } تمييز أقرب. { لِّلَّذِينَ آمَنُوا } متعلق بمودة أو نعته. { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } مفعول ثان لتجدن، وصف الله النصارى بلين العريكة، ورقة القلوب، والقرب الى قول الحق، وذلك أمر ظاهر الى الآن، والافرنجى أعنى الفرنسيس وفى الانجليز والحبشة، وانما زادوا تمرداً وشراً لميل أهل التوحيد الى المال، والفسوق والراحة والجور، وكم افرنجى يقول لو وجدنا من يجرى بنا على دين محمد بالحقيقة لدخلنا فى دينه، وبعض يقول لو وجدنا سلطاناً يقوم به لأسلمنا، وليس فيهم حرص اليهود، ولا من شأنهم الغش والخديعة فى المعاملة، بالمال ولا استحلال من يستحل الأخذ، وليس فيهم كبر اليهود، وليسوا كلهم كذلك بل ذلك كثير فيهم. وذلك لا كلية. وأشد النصارى استبانيون، وكانوا أشد قبل أن يعلموا ما فى القرآن، وكانوا يرون أن فيه حقاً عليهم واجحافاً ولما علموا ما فيه زال بعض ذلك، ومعظم النصارى فى عداوة المؤمنين كاليهود، وقال بعض علماء مصر بل أعظم عداوة، فاما أن تكون الآية كلا كما رأيت، واما أن يراد من آمن، واما أن يكون الذين نرى العداوة ليسوا نصارى حقيقة، بل متنصرة من الأعاجم أو من العرب المتنصرة على عهد عمر وقبله، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قيل ان جبلة بن الأيهم الغسانى لما غلب المسلمون على عهد عمر رضى الله عنه الروم من أرض الشام، انتقل الى جزيرة فى البحر، وبنى بها الافرنج من نسله، وهو من غسان قبيلة من العرب، ومع ذلك فكفر النصارى أعظم وأقبح لأنهم ينازعون فى الألوهية، وضررهم على أهل التوحيد أعظم. وقيل ان النصارى أهل خشية وانقطاع الى الله سبحانه، وان لم يكونوا على هدى فهم يميلون الى أهل العبادة والخشية، وليس فى اليهود ما فيهم من تواضع وانقطاع عن الدنيا، بل يعظمونها ويتطاولون، ولا ترى فيهم زاهداً، وهم أشد الناس عداوة للمؤمنين، وأما النصارى فهم يعظمون من أهل الاسلام أن يستشعروا منهم حجة الدين، ويهينون من فهموا منه الفسق، واذا حاربوا فانما يحاربون أنفة وليسوا يحاربونه ديانة، واذا سالموا فسلمهم صاف، ولم يصفهم الله تعالى بأنهم أهل ود، بل وصفهم بقربهم للمودة، وليس فى خصالهم ما فى اليهود من الغش.

السابقالتالي
2 3 4 5 6